عاد البحر الأحمر إلى الاشتعال خلال الأيام الأخيرة، حيث يواجه الصراع بين التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة وقوات الحوثي خطر التصعيد والخروج عن السيطرة.
أنشأت الولايات المتحدة تحالفًا بحريًا في البحر الأحمر لمنع هجمات الحوثيين على السفن التجارية والبضائع. (المصدر: وكالة فرانس برس) |
في حين تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة، تقوم الولايات المتحدة بعملية كبرى في البحر الأحمر، حيث تحافظ السفن الحربية الأميركية على وجود دائم لحماية ممرات الشحن.
تقود الولايات المتحدة تحالفًا عسكريًا دوليًا في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث استهدفت مليشيا الحوثي في اليمن ناقلات نفط وسفنًا تجارية. وقد أدخل هذا التدخل واشنطن في صراع مباشر مع الحوثيين، الذين تعهدوا بمواصلة هجماتهم حتى تُنهي إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة.
وتحمي العملية أحد أهم طرق التجارة العالمية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بحسب مسؤول أميركي كبير.
طريق الشحن الاستراتيجي
على مدى سنوات، لعبت القوات العسكرية الأميركية دورا محوريا في البحر الأحمر، وهو طريق شحن رئيسي بين شمال شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، مما يسهل التجارة الإقليمية.
في أبريل/نيسان 2022، أشرف الجيش الأمريكي على إنشاء قوة المهام المشتركة 153، وهي قوة بحرية متعددة الجنسيات مُكلفة بدوريات في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن. وأوضح نائب الأدميرال براد كوبر، قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، آنذاك: "كما يدرك الجميع، تُعدّ هذه المياه حيويةً لحرية حركة التجارة في جميع أنحاء المنطقة".
يُعد البحر الأحمر طريقًا ملاحيًا رئيسيًا، إذ يُمثل ما يقرب من 15% من إجمالي التجارة البحرية. وهو يُسهّل التجارة بين آسيا وأوروبا، مما يُتيح للسفن التجارية توفير الوقت بالمرور عبر الشرق الأوسط بدلًا من الدوران حول أفريقيا. كما يُعد البحر الأحمر طريقًا ملاحيًا رئيسيًا للنفط والغاز الطبيعي في العالم. تُشحن عبره كميات كبيرة من النفط من العراق والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى إلى أسواق آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. ويُمثل البحر الأحمر إجمالًا 8% من التجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال و12% من تجارة النفط المنقولة بحرًا.
في مؤتمر صحفي عُقد في 3 يناير/كانون الثاني، صرّح المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، قائلاً: "البحر الأحمر ممر مائي مهم، إذ يمر عبره جزء كبير من التجارة العالمية".
يُثير مضيق باب المندب، الواقع في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، قلق المسؤولين الأمريكيين بشكل خاص. إذ يبلغ عرضه 17 ميلاً فقط عند أضيق نقطة فيه، ويُشكل نقطة اختناق مُعقّدة، تُجبر السفن التجارية على استخدام ممرات شحن ضيقة.
بحلول أوائل عام ٢٠٢٣، من المتوقع أن يمرّ عبر مضيق باب المندب ما يُقدّر بـ ٨٫٨ مليون برميل نفط يوميًا، مما يجعله أحد أهمّ المعابر في العالم. وتشير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن "مضيق باب المندب طريق استراتيجي لشحنات النفط والغاز الطبيعي".
وفي إطار مبادرة "حراس الرخاء"، تعمل الولايات المتحدة مع شركائها في التحالف على إنشاء ما يسميه المسؤولون الأميركيون "وجوداً مستمراً" في جنوب البحر الأحمر.
في إطار العملية، ستنتشر سفن حربية فرنسية وبريطانية وأمريكية في جنوب البحر الأحمر. وقد عُزِّزت هذه القوة بمجموعة حاملة الطائرات "أيزنهاور" الضاربة، المتمركزة في خليج عدن.
ويخوض التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة حاليا صراعا مع قوات الحوثيين، وفي الاشتباك الذي وقع يوم 31 ديسمبر/كانون الأول، أغرقت القوات الأميركية ثلاثة قوارب صغيرة تابعة للحوثيين، ما أدى إلى مقتل 10 من المتمردين.
حسابات دقيقة
هذه ليست المرة الأولى التي تصطدم فيها الولايات المتحدة بقوات الحوثيين. لسنوات، دعمت الولايات المتحدة السعودية في اليمن ضد الحوثيين.
أدى التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن إلى خلق واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث أودى بحياة أكثر من 377 ألف شخص. ساهمت الهدنة المؤقتة التي بدأت في أبريل/نيسان 2022 في تخفيف حدة الأعمال العدائية، إلا أن الصراع لم ينتهِ قط، مما أثار مخاوف من احتمال اشتعاله مجددًا في أي وقت. كانت الولايات المتحدة القوة الرئيسية المشاركة في الحملة العسكرية السعودية في اليمن والحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.
مع بدء بعض الشركات الكبرى بوقف عملياتها في البحر الأحمر، دعا بعض المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين إلى اتخاذ إجراءات عسكرية أكثر حزمًا، مثل توجيه ضربات لأهداف الحوثيين في اليمن. وكانت آخر عملية عسكرية مباشرة للولايات المتحدة ضد الحوثيين في أكتوبر/تشرين الأول 2016، عندما أطلقت سفينة حربية أمريكية صواريخ كروز على محطات رادار في اليمن.
لكن المسؤولين الأميركيين ما زالوا حذرين بشأن مواجهة الحوثيين بشكل مباشر، وقرر الرئيس بايدن حتى الآن عدم مهاجمة أهداف الحوثيين، حتى بعد طرح الخيارات العسكرية.
والقلق الأكبر لدى واشنطن هو أن أي شكل من أشكال التصعيد مع الحوثيين قد يؤدي إلى إعادة إشعال الحرب في اليمن.
من المخاوف الرئيسية الأخرى أن المزيد من التدخل الأمريكي سيخلق مشاكل إضافية للولايات المتحدة وحلفائها. إذا هاجمت الولايات المتحدة الحوثيين، فقد يرد الحوثيون بنقل الصراع إلى مناطق خارج البحر الأحمر، مثل إسرائيل. وقد أطلق الحوثيون بالفعل طائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل.
يشعر المسؤولون الأمريكيون بقلق بالغ إزاء تأثير الصراع مع الحوثيين، لدرجة أنهم لم يتهموهم بمهاجمة الولايات المتحدة، رغم إطلاق الحوثيين المتكرر لطائرات مسيرة وصواريخ على السفن الحربية الأمريكية. وتبدي دول أخرى في التحالف العسكري الحالي بقيادة الولايات المتحدة مخاوف مماثلة، حتى أن بعضها يرفض الكشف عن مشاركته فيه.
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)