ليست ثورة تكنولوجية، بل ثورة إنسانية
لقد تحدثنا عن الثورة الصناعية الرابعة لسنوات عديدة، لكن الأمر لم يكن بهذه الوضوح من قبل. في غضون بضع سنوات، ستُستبدل سلسلة من الوظائف التقليدية بالذكاء الاصطناعي: موظفو إدخال البيانات، وتحليل البيانات البسيط - تتوفر برامج أتمتة؛ المحررون وكتاب المحتوى - يتنافسون مباشرةً مع ChatGPT؛ موظفو المبيعات الهاتفية وخدمة العملاء - استخدمت العديد من الأماكن روبوتات الذكاء الاصطناعي الصوتية لتحل محل... حتى القطاعات التي كانت تُعتبر "آمنة" سابقًا، مثل الاتصالات والمحاسبة، وحتى المعلمين والأطباء - تواجه ضرورة تغيير طريقة عملها إذا لم ترغب في زوالها. سيجعل الذكاء الاصطناعي العديد من الوظائف الحالية قديمة، ولن يتمكن من التكيف والتطوير إلا من يفهم التكنولوجيا أو يتقن استخدامها أو يتقنها.
في منشور نُشر عام ٢٠١٧، توقع ملياردير التكنولوجيا بيل جيتس أن يكون الذكاء الاصطناعي أحد المجالات الثلاثة للتنمية المستدامة في المستقبل. على عكس المخاوف بشأن استبداله، يوفر قطاع الذكاء الاصطناعي العديد من فرص العمل الجديدة، ولكنه في الوقت نفسه يتطلب موارد بشرية عالية الجودة. يعتقد ملياردير التكنولوجيا أن الذكاء الاصطناعي يتطور بسرعة كبيرة، ولكنه لا يزال يعتمد على البشر لفهم السياق، وإصدار الأحكام، وحل المشكلات المعقدة. ستظل مهارات مثل التفكير النظامي والإبداع والقدرة على التعلم المرن مزايا بشرية في تطوير الذكاء الاصطناعي والتحكم فيه. على وجه التحديد، يحتاج قطاع الذكاء الاصطناعي إلى العديد من الأدوار: مبرمجو الذكاء الاصطناعي ومهندسو التعلم الآلي؛ باحثو الخوارزميات؛ مهندسو البيانات؛ خبراء نشر الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والتصنيع؛ خبراء اختبار الذكاء الاصطناعي والأمن، إلخ.
ليس هذا فحسب، بل يُعدّ الذكاء الاصطناعي أداةً لتعزيز الابتكار في قطاعات أخرى. وهذا يجعله مهارةً "أساسية"، على غرار اللغة الإنجليزية أو علوم الحاسوب قبل بضعة عقود.
من الخوف من الاستبدال إلى الاستعداد للقيادة
إن تطور الذكاء الاصطناعي أمرٌ لا رجعة فيه. لكن هذا لا يعني أننا ضائعون، إذا تكيفنا معه وزوّدنا أنفسنا بالمهارات المناسبة. "الذكاء الاصطناعي لن يحل محل البشر. لكن من يجيد استخدامه سيحل محل من لا يجيده." - مقولةٌ تُكرر كثيرًا في عالم التكنولوجيا اليوم.
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد فرصة عمل، بل هو بوابة لجيل جديد لدخول المستقبل، ليس كلاعبين سلبيين، بل كقادة يُحدثون تغييرًا جذريًا.
إذا ظنّ أحدٌ أن دراسة الذكاء الاصطناعي حكرٌ على طلاب الجامعات المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات، فهو يجهل حقيقةً واحدةً: إن دراسة الذكاء الاصطناعي منذ المرحلة الثانوية، وحتى الابتدائية، أصبحت تدريجيًا اتجاهًا عالميًا. ففي الصين وسنغافورة والولايات المتحدة وكوريا، تعلّم طلاب المرحلة الثانوية برمجة بايثون، وأصبحوا على درايةٍ بأساسيات التعلم الآلي، وفهموا آلية عمل أدوات الذكاء الاصطناعي.
لا يهدف التعرض المبكر إلى تحويل الأطفال إلى مبرمجين، بل إلى مساعدتهم على: التفكير المنطقي وحل المشكلات بشكل منهجي؛ معرفة كيفية طرح الأسئلة والتجربة وتحليل البيانات؛ معرفة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، وفهم حدود ومخاطر التكنولوجيا.
في فيتنام، بدأ تطبيق برامج تدريب الذكاء الاصطناعي لطلاب المرحلة الثانوية، حيث يُعدّ معهد FPT رائدًا في مجال "الذكاء الاصطناعي الشائع"، حيث سيتم دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية بدءًا من عام 2024. بدءًا من الصف الثالث، تدرب طلاب معهد FPT على الذكاء الاصطناعي للتعرف على الصور والصوت، بينما يُتاح لطلاب الصف السادس الوصول إلى برمجة الذكاء الاصطناعي، وتدريب أجهزة الكمبيوتر على ممارسة الألعاب، واستخدامه لتحليل البيانات، بينما قام طلاب الصف التاسع بأبحاث وتطوير نماذج ذكاء اصطناعي في مجال الروبوتات وعلوم البيانات وحل مشكلات العالم الحقيقي. لا يقتصر الأمر على تعليم الطلاب كيفية "استخدام" الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يُدرّبون أيضًا على أخلاقيات التكنولوجيا، وكيفية استخدامه بشكل صحيح ومسؤول، وتجنب الاعتماد على التكنولوجيا. هذه هي الخطوة الأولى لإعداد مهارات البقاء لأي موظف مستقبلي.
العالم لا ينتظرنا لنستعد. والذكاء الاصطناعي لا يملك زر "إيقاف مؤقت". إذا كانت معرفة اللغة الإنجليزية في الماضي ميزة، فإن معرفة التكنولوجيا - معرفة كيفية التواصل والعمل مع الآلات الذكية - اليوم هي "لغة البقاء". إن الانتظار حتى سن الرشد للتعلم قد فات الأوان. يجب غرس الفرص والقدرات وعادات التفكير منذ الصغر. لن يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر، بل سيحل محل من لا يعرفون كيفية استخدامه. علينا أن نبدأ الآن - ليس فقط من أجل أنفسنا، بل من أجل الجيل القادم.
تعليق (0)