في الليلة التي سبقت المباراة النهائية في جاكرتا، جلس المدرب جورفان فييرا مع لاعبيه العراقيين في ملعب بونغ كارنو بعد التدريب. وقال: "انظروا حولكم، مباراتنا غدًا هنا. لا أعتقد أن العراق سيصل إلى هذه المرحلة مرة أخرى".
كانت رسالة المدرب البرازيلي واضحة: على اللاعبين اغتنام الفرصة والفوز مهما كلف الأمر. وعندما حان وقت الاستجابة، وافق الفريق.
يحتفل القائد يونس محمود (رقم 10) بتسجيله الهدف الوحيد في نهائي كأس آسيا بين العراق والمملكة العربية السعودية في ملعب بونج كارنو، جاكرتا، إندونيسيا، مساء يوم 29 يوليو/تموز 2007. الصورة: رويترز
كان المزاج العام للفريق مختلفًا تمامًا قبل 22 يومًا، أثناء استعدادهم لمباراتهم الافتتاحية ضد تايلاند في بانكوك. لم يسبق للفريق أن عانى من هذا التشتت، ويعود ذلك أساسًا إلى المشاكل بين فييرا ولاعبيه الأساسيين. كان الوضع آنذاك صورة مصغرة للحرب الأهلية التي شهدتها البلاد.
أول ما فعله فييرا عند لقائه بنائب رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم، ناجح حمود، هو إعطائه قائمة باللاعبين الذين يرغب في الاستغناء عنهم فورًا. قبل أيام قليلة، خسر المنتخب العراقي أمام أوزبكستان 0-2 في مباراة ودية. بعد المباراة، أبلغت مجموعة من اللاعبين مساعدهم رحيم حميد بأنهم على استعداد لدفع تعويضات لإقالة فييرا فورًا.
كانت العلاقة بين المدرب واللاعب متوترة لدرجة أن الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم استعد لاحتمال استدعاء منتخب تحت 23 عامًا إلى بانكوك للمشاركة في كأس آسيا، بدلًا من المنتخب الوطني. إلا أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم كان قد حدد موعدًا نهائيًا للانتهاء من قائمة اللاعبين مسبقًا، فلم يكن لدى الاتحاد الإندونيسي وقت لإجراء أي تغييرات. كما أراد الاتحاد استبدال فييرا، لكنه لم يجد لاعبًا مناسبًا مع اقتراب موعد البطولة.
المدرب جورفان فييرا (الثاني من اليمين) يوجه رسالة إلى اللاعبين العراقيين في ملعب بونغ كارنو، مساء يوم 28 يوليو/تموز 2007. تصوير: وكالة فرانس برس
أمام تايلاند، بدأ العراق بدايةً سيئة، حيث احتسبت له ركلة جزاء من لاعب الوسط سوتي سوكسومكيت بعد ست دقائق فقط. لكن الضيوف عادلوا النتيجة في الشوط الأول برأسية من المهاجم يونس محمود.
قال محمود لاحقًا إنه رأى زملاءه المشجعين العراقيين يلوّحون بالأعلام العراقية في المدرجات، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية . شعر بوحدة وطنية وغضب تجاه أي قوة كانت تُقسّم البلاد آنذاك.
بعد تعادله مع تايلاند، التقى العراق بأستراليا، التي ضمت تشكيلة من نجوم الدوري الإنجليزي الممتاز، مثل حارس المرمى مارك شوارزر، ولاعب الوسط هاري كيويل، وتيم كاهيل، والمهاجم مارك فيدوكا. كانت أستراليا تخوض أول بطولة آسيوية لها بعد انضمامها إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، لكنها كانت تُعتبر مرشحة بقوة لاستضافة البطولة.
لو خسر العراق تلك المباراة، لكان فييرا قد أُقيل على الأرجح. لكن معجزة حدثت في راجامانغالا، حيث فاز محمود وفريقه بنتيجة 3-1. وكان التعادل السلبي مع عُمان في المباراة النهائية كافيًا للحفاظ على صدارة العراق للمجموعة الأولى، مما سمح له بالبقاء في بانكوك لمواجهة فيتنام في ربع النهائي. فاز العراق بنتيجة 2-0، وسجل محمود هدفين، ليتأهل إلى نصف النهائي ضد كوريا الجنوبية.
يحتفل المهاجم صالح سدير (رقم 6) بالهدف الافتتاحي الذي سجله نشأت أكرم، خلال المباراة بين العراق وأستراليا في ملعب راجامانجالا، بانكوك، تايلاند، المجموعة الأولى من كأس آسيا في 13 يوليو 2007. الصورة: رويترز
قبل 27 يومًا بالضبط من نصف النهائي، التقى العراق بكوريا الجنوبية في مباراة ودية، وخسرها أيضًا بنتيجة 0-3 تحت المطر في دايجون. ويمكن القول إن فييرا وفريقه خسروا المباراة تمامًا، رغم غياب نجم خط الوسط بارك جي سونغ والمدافع لي يونغ بيو. أجبرت هذه الهزيمة العراق على عقد عدة اجتماعات طارئة. في أحد هذه الاجتماعات، دعا لاعب خط الوسط نشأت أكرم زملاءه إلى الوقوف بثبات وإصرار، أو العودة إلى ديارهم.
مشجعو العراق خلال مباراة نصف النهائي ضد كوريا الجنوبية في ملعب بوكيت جليل، كوالالمبور، ماليزيا، 25 يوليو/تموز 2007. الصورة: رويترز
لم يطل فرح الجماهير العراقية، فعاد الحزن إلى الوطن. وقع تفجيران انتحاريان متتاليان في بغداد، أسفرا عن مقتل 50 شخصًا، بعد فوز فريق فييرا.
انهار اللاعبون العراقيون عند سماعهم الخبر. لاحقًا، ظهرت امرأة على التلفزيون الوطني، تُخبر أن ابنها حيدر، البالغ من العمر 12 عامًا، قد لقي حتفه في الهجوم. وتعهدت ألا تُشيعه حتى عودة الفريق من كأس آسيا. ولما رأى اللاعبون العراقيون بكاءها، تعهدوا بالفوز في النهائي من أجل حيدر، ومن أجل جميع العراقيين.
أُقيمت المباراة النهائية في جاكرتا، وواجهت فيها العراق السعودية، الفائزة باللقب ثلاث مرات. وكان الفريقان قد التقيا قبل ستة أشهر في كأس الخليج، وفازت السعودية بنتيجة 1-0، بينما خرج العراق من البطولة.
في ذلك الوقت، كان المدرب أكرم سلمان لا يزال يقود العراق، وليس فييرا. قبل المباراة، عقد سلمان اجتماعًا للفريق وألمح إلى توصله إلى اتفاق مع السعودية يقضي بتعادل الفريقين، وهي نتيجة كافية للتأهل. بعد المباراة، أُوقف ثلاثة لاعبين عراقيين لمدة عامين لاتهامهم رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم، حسين سعيد، بالتلاعب بنتائج المباريات. أُقيل سلمان رسميًا بسبب "سوء تفاهم مع اللاعبين".
لاعبو المنتخب العراقي يحتفلون بفوزهم بكأس آسيا 2007 في ملعب بونغ كارنو. الصورة: رويترز
عُيّن فييرا بديلاً له، بعد أن عمل مع نادي الطائي في الدوري السعودي. أُقيل من النادي بعد خمسة أشهر فقط، إثر خلاف مع بعض اللاعبين. لذا، يمتلك المدرب البرازيلي علاقة شخصية مع المنتخب السعودي في نهائي كأس آسيا.
حضر أكثر من 60 ألف متفرج المباراة النهائية، التي أقيمت مساء 29 يوليو/تموز 2007. قدّم العراق أداءً رائعًا لدرجة أن اللاعبين شعروا أن تسجيل هدف الفوز مسألة وقت. وترددت هتافات "العراق، العراق، العراق" من المدرجات. وبينما كان لاعب الوسط هوار ملا محمد يستعد لتنفيذ ركلة ركنية في الدقيقة 72، سُمع صوت المعلق رعد ناهي على قناة العراقية الرياضية وهو يقول: "اللهم أدخل السرور على قلبي وعلى شعبي".
مرر هوار الكرة، فسجّل محمود هدف المباراة الوحيد برأسه. وعندما سُئل عن الهدف، قال محمود: "جميع العراقيين سجلوا، لستُ وحدي".
لذا، في اليوم الذي فاز فيه العراق بكأس آسيا لأول مرة، اجتمعوا كفريق واحد. فعل اللاعبون الأحد عشر ما عجزت عنه الحكومة العراقية آنذاك، وهو توحيد الأمة وإدخال الفرحة على قلوب الجميع، بدلًا من الدموع والمعاناة.
شوان بينه (وفقا لصحيفة الغارديان )
[إعلان 2]
رابط المصدر
تعليق (0)