١. أمي امرأة صعبة المراس وسريعة الغضب. بدلًا من أن تبتسم وتتحدث بلطف كخالاتي في الحي، غالبًا ما تغضب وتشتكي من لا شيء. على سبيل المثال، لا أحب القيلولة، لذا أفكر دائمًا في العديد من الخطط "الرائعة" (في رأيي) لأتمكن من الهروب من النوم في أي وقت. للأسف، كلما لم تلحظني أمي عند الباب، تجدني حاسر الرأس في شمس الظهيرة أصطاد الجنادب واليعسوب. ونتيجة لذلك، كلما أمسكتها، تضربني.
رغم أنني كنت فتاة، إلا أن شخصيتي لم تكن مختلفة عن شخصية الصبي، فبدلاً من أن أتبع أمي كغيري من "الفتيات" في الحي، كنت أدعو الصبية غالبًا لسباقات الدراجات الهوائية والتنافس على من يتسلق الأشجار أسرع. صحيح أنني كنت أفوز أحيانًا، مما يُسبب الدوار لـ"أصدقائي"، لكنني كنت أخسر في أغلب الأحيان، إما لأن يداي وقدماي كانتا تنزفان أو لأن ملابسي كانت ملطخة بالطين. وكانت النتيجة أن أمي كانت تجرني دائمًا إلى المنزل مصابًا بجروح في جميع أنحاء جسدي.
لم تكن أمي تقلقني قط، كانت تنفخ على جرحي برفق كأمهات المسلسلات، لكن ما كنت أتلقاه كان دائمًا جلدًا مؤلمًا وتوبيخًا يصم الآذان. في إحدى المرات، غضبتُ من أمي بشدة، فسألتها إن كنت ابنتها الحقيقية. نظرت إليّ بهدوء وأجابت: "لقد التقطتك من مكب النفايات! كُل بسرعة لأنظف وأذهب إلى العمل".
٢. كان والدي غائبًا عن المنزل كثيرًا، لذا كانت طفولتي تدور حول أمي وأنا. كان كل يوم متشابهًا، كانت أمي توقظني كل صباح، وتجعلني أنظف وأتناول الفطور وأنا نائم، ثم تُوصلني بسرعة إلى المدرسة قبل الذهاب إلى العمل. مرّ الوقت سريعًا كدوران دراجة أمي القديمة، لقد كبرتُ. عندما رأيتُ أمي تُكافح في وظائف لا اسم لها، وهي تُعنى بعمل عائلتي في غياب والدي، شعرتُ بأسف شديد عليها.
لذا بدأتُ بالأعمال المنزلية لأشاركها مع والدتي. في الواقع، لم يكن الطبخ صعبًا عليّ. بعد أن أحرقتُ بعض أواني الأرز، وسلقتُ بعض أطباق الخضار، وأحرقتُ بعض أواني اللحم، تمكنتُ من طهي وجبة شهية لأمي، مع أن معظمها كان... طعامًا مسلوقًا.
في أول مرة تناولت فيها وجبةً مُجهزةً جيدًا من إعدادي، انهمرت الدموع من عيني أمي وقالت بهدوء: "ابنتي كبرت حقًا". كانت تلك المرة النادرة التي رأيت فيها أمي تُعاملني بلطف وعطف. لاحقًا فقط أدركت أن أمي لم تُخلق لتكون شخصًا صعب المراس، بل صارمًا بعض الشيء أحيانًا. ولأنها أحبتني، عملت أمي بجد كل يوم، على أمل كسب المال لأعيش حياةً أفضل وأكثر اكتمالًا. كلما كبرت، أدركتُ قيمة نصح أمي وإرشادها لي في صغري، فقد ساعداني على النمو، وتعلم العيش باستقلالية، وأن أصبح شخصًا مسؤولًا.
٣. في نهاية الأسبوع، كافأت نفسي بتذكرة لمشاهدة الفيلم الشهير حاليًا للمخرج لي هاي: "الوجه الآخر ٧: أمنية". يروي الفيلم قصة أم عجوز وأطفالها الخمسة الذين تحبهم حبًا جمًا. في نهاية الفيلم، جعلني صوت المغنية بوي آنه توان أبكي بحرقة: "منذ ولادتي وحتى الآن، اهتمت بي أمي دون أن ينقصها شيء. لقد رسمت لي صورة رائعة لم أستطع فهمها في صغري. والآن وقد كبرت، أرسم صورتي بنفسي...".
شاهدتُ الفيلم وفكّرتُ في أمي. على مرّ السنين، تحمّلت تلك المرأة مصاعب الحياة ومشاقّها بمفردها تقريبًا. ورغم شكواها المتكررة، لم أسمعها تشكو قطّ من مصاعبها ومشقّاتها.
نشأتُ أدرس بعيدًا عن المنزل، أسعى لتحقيق أحلامي وطموحاتي، وكنتُ منشغلًا لدرجة أنني لم أجد وقتًا للتفكير في أمي. أصبحت المكالمات الهاتفية أقصر، وقلت مرات عودتي إلى المنزل. بدوني، بدون أبي، كانت أمي تجلس وحيدة على مائدة العشاء.
الطفل الذي كان يقول إنه سيعتني بأمه في المستقبل، يطير الآن إلى الأفق البعيد. نشأتُ ببراءة، مُتقبلاً كل ما قدمته لي أمي من خير. ظننتُ أن كل ما حققته اليوم بفضل جهودي الذاتية، ولكن فجأةً، تحملت أمي كل الصعاب والمشقات على كتفيها النحيلين...
بعد انتهاء الفيلم، ركبتُ السيارة بسرعة وسلكتُ الطريق المألوف عائدًا إلى المنزل. هناك، لا بد أن أمي لا تزال تنتظرني كل يوم. ربما، كما في كلمات الأغنية، سأعود لأُعيد طلاء صورة أمي، وأُضيف إليها لونًا، وأُخفف ألمها.
أتمنى لو يتوقف الزمن لأبقى بجانب أمي للأبد. وقفتُ عند الباب نفسه الذي كانت أمي تلتقطني منه كلما تأخرتُ عن القيلولة لأخرج، أنظر إلى قوامها النحيل، وشفتاي تتحركان لأقول "أحبكِ كثيرًا يا أمي"، لكنني لم أستطع قولها...
تروك فونج
مصدر
تعليق (0)