كل صف من الأشجار القديمة في شارع فان دينه فونج بأوراقها الظليلة من شجر الدركونتوميلون، وكل موسم من أشجار السوا البيضاء الهادئة في شارع فان تشو ترينه، وكل جذع شجرة ساو سوداء مستقيمة على طول شارع لو دوك... أصبحت ألحانًا عميقة في سيمفونية المناظر الطبيعية في هانوي - حيث لا توفر الأشجار الظل فحسب، بل تحافظ أيضًا على الذكريات الحية للمدينة الثقافية.
في سياق التوسع الحضري السريع، تحتاج هانوي بشكل عاجل إلى تخطيط الأشجار الخضراء ليس فقط لتوفير الظل ولكن أيضًا لخلق الهوية ورعاية الذكريات.
"سفير" المدينة الصامت
في إطار السعي إلى إنشاء مدينة خضراء ومتحضرة وحديثة، تواجه هانوي مشكلة التخطيط للأشجار الخضراء لتحقيق الانسجام بين البيئة والهوية الحضرية.
ينبهر العديد من زوار هانوي لأول مرة بجمالها الهادئ والعريق الذي نادرًا ما يُرى في المدن الكبرى الأخرى. شوارع مثل فان دينه فونغ، ونغوين تري فونغ، وهوانغ ديو... دليلٌ حيٌّ على التناغم بين المناطق الحضرية الحديثة والطبيعة الخضراء. الأشجار هنا ليست مجرد عوامل بيئية، بل هي أيضًا رموز ثقافية ومناظر طبيعية.
السيدة مينه ها، وهي مغتربة فيتنامية في ألمانيا، من هانوي، قالت إنها غائبة عن مسقط رأسها منذ زمن، لكن كل زاوية شارع وصف أشجار لا تزال عالقة في ذاكرتها. هانوي الآن أجمل بكثير، وخاصةً شوارعها ذات الأشجار المتراصة بألوانها المتنوعة. كما أصبحت العديد من شوارعها وجهات مفضلة لالتقاط الصور وتنظيم الأنشطة الثقافية.

وفي مختلف أنحاء العالم ، تعد الأشجار أيضًا بمثابة "سفراء للصورة" صامتين ولكن فعالين، حيث تروج لها العديد من المدن لتشكيل هويتها الخاصة.
مثل شارع غونسالو دي كارفاليو (البرازيل) الذي يضم 500 متر من نفق أشجار تيبوانا الرائعة، وشارع جاكاراندا الأرجواني في زيمبابوي، وشارع باوباب القديم الفريد من نوعه في مدغشقر أو شارع القيقب الرائع بجانب بحيرة كاواجوتشيكو في اليابان...
وهذا يدل على أن التخطيط الأخضر الذكي يمكن أن يحول طريقًا عاديًا إلى وجهة سياحية جذابة.
خلق ذكريات بصرية وهوية هانوي
تضم هانوي حاليًا حوالي 1.8 مليون شجرة حضرية. وفي خطة العاصمة للفترة 2021-2030، مع رؤية حتى عام 2050، يتمثل الهدف المحدد بحلول عام 2030 في تحقيق مساحة خضراء حضرية تتراوح بين 10 و12 مترًا مربعًا للشخص الواحد. وهذه المساحة الخضراء ليست "رئة" المدينة فحسب، بل تُعتبر أيضًا عاملًا رئيسيًا في تهيئة المناظر الطبيعية والحفاظ على الهوية.
في الواقع، شهدت هانوي تقدمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. فقد خُطط لزراعة العديد من الشوارع الجديدة، مثل فام فان دونغ، وفو تشي كونغ، وفو نجوين جياب... بطريقة متزامنة وعصرية ومُنسجمة مع الطبيعة.
وقد تم إدخال أنواع من خشب الورد، وأشجار البانيان الصغيرة، ونخيل التمر، والباوهينيا لتحل محلها، مما أدى إلى إثراء النباتات الحضرية وتحسين القدرة على التكيف مع الظروف المناخية القاسية على نحو متزايد.
وبحسب الخبراء فإن التحدي الكبير اليوم لا يكمن في الكم بل في نوعية التخطيط الأخضر والقدرة على خلق هوية مميزة للمناظر الطبيعية لكل منطقة.
قال الدكتور المهندس المعماري فام آنه توان، رئيس جمعية مهندسي المناظر الطبيعية في فيتنام، إن هانوي بحاجة إلى سيناريو لزراعة الأشجار لكل طريق ومساحة وفقًا لخصائص المناظر الطبيعية وقصة مرتبطة بهوية كل شارع.

وبحسب قوله، فإن المدينة بحاجة إلى البحث واختيار أنواع الأشجار المناسبة للمساحات الحضرية، واستبدال الأشجار التي لم تعد مناسبة، وتلبي متطلبات المناظر الطبيعية والبيئة والسلامة للناس.
أفاد البروفيسور الدكتور نغو كوانغ دي (من جامعة الغابات) أن هانوي تعاني من نقص في النباتات التي تزهر شتاءً. وتحتاج المدينة إلى البحث في أنواع الأشجار المناسبة للمناخات الباردة، وإضافة أنواع أخرى منها، لتزدهر الأزهار على مدار العام، مما يخلق مشهدًا طبيعيًا نابضًا بالحياة.
تشير بعض الآراء إلى أن الشوارع ذات العرض الكبير والمساحات المفتوحة يجب أن تعطي الأولوية للأشجار الظليلة الكبيرة مثل لات هوا، داو راي، موونغ هوانغ ين... وفي الشوارع الصغيرة ذات الأرصفة الضيقة، يوصى بزراعة الأشجار المنخفضة الارتفاع، والزهور المتسلقة، والنباتات المحفوظة في الأصص أو الشجيرات مثل الماغنوليا، والفرانجيباني، والفاصوليا الأرجوانية... لخلق النعومة وعدم إعاقة الأنشطة اليومية.
يجب تجربة بعض النباتات النموذجية مثل الشاي الأبيض والشاي الأحمر وأشجار الدوي لزيادة جمال وشخصية المناظر الطبيعية.
ليس هذا فحسب، بل ينبغي أن يرتبط كل فصل بلون زهور فريد لخلق ذكريات بصرية مميزة للمدينة. هانوي الربيعية المفعمة بزهرة البوق الوردية، أو زهر الخوخ الأصفر الزاهي، أو أوساكا الصفراء. هانوي الصيفية المفعمة بالرومانسية مع زهور السوآ البيضاء أو البونسيانا الملكية الحمراء الزاهية على ضفاف البحيرة... تُضفي لمسة فريدة، تجذب السياح وتُشعل حب المدينة في قلوب كل ساكن.
من نماذج الأشجار الخضراء الناجحة عالميًا، يمكن لهانوي أن تتعلم وتطبق إبداعيًا على طريقتها الخاصة. يرتبط كل شارع بشجرة زهور رمزية، وكل موسم هو مهرجان زاهي الألوان. أو استغل مسارات المشي والشوارع القديمة وضفاف الأنهار على أكمل وجه لبناء "ممرات خضراء" بمناظر طبيعية فريدة وفنية.

لكي تُشكّل الأشجار هوية هانوي، لا بدّ من استراتيجية منهجية وطويلة الأمد. ويجب أن يُحدّد دمج تخطيط الأشجار في استراتيجية تنمية السياحة الثقافية، وخاصةً برامج الصناعات الثقافية والمدن الإبداعية التابعة لليونسكو، بخطط عمل وآليات تنسيق فعّالة بين القطاعات.
هانوي هي مدينة إبداعية تابعة لليونسكو، حيث يرتبط تخطيط الأشجار الخضراء ارتباطًا وثيقًا بالمساحات العامة مثل الحدائق وحدائق الزهور والساحات ومساحات الفن العامة والسياحة الخضراء التي تساهم في خلق نظام بيئي متزامن ومتكامل.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي وضع سياسات لتشجيع المجتمعات المحلية والمنظمات الاجتماعية والشركات على المشاركة في الاستثمار في نظام الأشجار الخضراء ورعايته والحفاظ عليه، وخاصة في المناطق الحضرية الجديدة والمجمعات الصناعية والمدارس والمستشفيات - وهي أماكن تفتقر إلى الظل والمساحات الخضراء. ويمكن أن يصبح كل شارع ومنطقة سكنية، إن أمكن، "وحدة ثقافية خضراء"، تربط حياة السكان بالهوية الحضرية.
أدى إصدار التخطيط لنظام الأشجار والحدائق والبحيرات المنظمة حتى عام 2030، مع رؤية حتى عام 2050 (القرار 1495/QD-UBND)، إلى جانب تعديل المخطط العام للعاصمة حتى عام 2045 (القرار 1668/QD-TTg) إلى إنشاء أساس قانوني وتخطيطي متين لتطوير المساحات الخضراء، بما في ذلك أشجار الشوارع.

على وجه الخصوص، أضاف قانون العاصمة لعام ٢٠٢٤ العديد من الأحكام الجديدة، مُشجِّعًا الاستثمار الأخضر، ومُساهمًا في إضفاء طابع اجتماعي على الحدائق، ومحافظًا على الممرات البيئية. ولزيادة نسبة المساحات الخضراء، تُركِّز هانوي على حلول رئيسية، أولها تعزيز مراجعة وتحديث التخطيط لضمان الاتساق بين تقسيم المناطق والتخطيط التفصيلي.
وتنص خطة زراعة 500 ألف شجرة في المدينة في الفترة 2021-2025 بوضوح أيضًا على: البحث وتطوير الحلول لتطوير نظام أشجار خضراء حضرية متزامن مع التخطيط ومناسب لخصائص مساحة المنطقة وتلبي متطلبات الجمالية الحضرية.
الأشجار الخضراء ليست مجرد عنصر جمالي، بل هي أيضًا مادة تربط الناس بمساحة معيشتهم. شجرة حقل الأرز، وشجرة البانيان الخريفية، وشجرة البونسيانا الملكية الصيفية... لطالما أصبحت صورًا محفورة بعمق في موسيقى وشعر وذكريات سكان هانوي، كما في كلمات أغاني الموسيقي ترينه كونغ سون: هانوي في الخريف/ شجرة حقل الأرز الصفراء/ شجرة البانيان ذات الأوراق الحمراء/ متجاورتين/ شوارع قديمة، منازل عتيقة...
في مواجهة ضغوط تغير المناخ والتوسع الحضري، لم يعد اختيار المعيشة الخضراء مجرد اتجاه بل أصبح مطلبًا استراتيجيًا. ستكون هانوي الخضراء - مكان به ظلال للعب الأطفال، وأزهار ملونة لكبار السن للتذكر، وممرات بيئية للتنمية المستدامة - الأساس لإنشاء منطقة حضرية إنسانية قابلة للعيش وفريدة من نوعها.
المصدر: https://www.vietnamplus.vn/ha-noi-dinh-hinh-ban-sac-do-thi-tu-cay-xanh-bong-mat-va-ky-uc-mua-hoa-post1050084.vnp
تعليق (0)