إن الاستثمارات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات في الصناعات التي تشكل مستقبل الاقتصاد العالمي تحل تدريجيا محل النفط لخلق "قوة جديدة" للاقتصادات في الشرق الأوسط.
تُعرف صناديق الاستثمار في الشرق الأوسط بأنها "صراف آلي" لا ينفد منه المال أبدًا للمشاريع المحتملة. (المصدر: Asianinvestor) |
"آفاق لا حدود لها: الاستثمار اليوم، صناعة المستقبل" هو الموضوع الأكثر تداولاً في العاصمة السعودية الرياض هذه الأيام. يُعقد مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الثامن في الفترة من 29 إلى 31 أكتوبر، وهو ليس فقط نقطة جذب للمشاريع التي تسعى لجمع رأس المال، بل يُمثل أيضاً مركزاً استثمارياً للأفكار المبتكرة التي تُسهم في بناء مستقبل مزدهر ومستدام.
الشرق الأوسط لا يقتصر على النفط فقط.
منذ إطلاقه في عام 2017، برز مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار السنوي في الرياض كحدث رائد في عالم التمويل، حيث تم توقيع صفقات لا يمكن أن تكون أفضل - بلغ إجمالي قيمة المؤتمرات في أعوام 2021 و2022 و2023 حوالي 109 مليار دولار.
لقد تجاوزت النتائج المذكورة أعلاه توقعات مؤتمر وطني، عندما كان الحدث يهدف في الأصل إلى تنفيذ استراتيجية الإصلاح الاقتصادي في المملكة العربية السعودية التي بدأها ولي العهد ورئيس الوزراء محمد بن سلمان وتنفيذ مبادرة رؤية 2030 - تعزيز النمو غير النفطي بما في ذلك التمويل والصناعة التحويلية والتكنولوجيا العالية والزراعة والسياحة وتوسيع القطاع الخاص وخلق فرص العمل.
تُعرف مبادرة مستقبل الاستثمار الآن باسم "دافوس في الصحراء" - في إشارة إلى الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا - والذي يجمع قادة العالم ورجال الأعمال والسياسيين وصناع السياسات من مجموعة واسعة من المجالات، من التمويل والاقتصاد إلى صناع القرار في مجال الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة والطاقة والجيواقتصاد والفضاء.
أشار المحللون إلى أن مؤتمر مبادرة الاستثمار المؤسسي لا يمنح "ملوك الشرق الأوسط" فرصة الظهور على الساحة المالية العالمية فحسب، بل يُوسّع أيضًا نفوذهم ويرسّخ مكانتهم عالميًا. وتُعدّ الحوارات الجيواقتصادية "مُكمّلًا هامًا" للحوار العالمي، إذ تُزوّد القادة الاستراتيجيين برؤى استشرافية تُمكّنهم من إدارة المشهد العالمي في المرحلة المقبلة.
قبل انطلاق الحدث، صرّح الرئيس التنفيذي لمبادرة الاستثمار المؤسسي ريتشارد أتياس بأن 7100 مندوب من مختلف أنحاء العالم سجلوا لحضور الحدث؛ وأن الصفقات المتوقعة المعلن عنها بلغت قيمتها الإجمالية 28 مليار دولار؛ وأن مؤتمر مبادرة الاستثمار المؤسسي 2024 كان جذاباً للغاية لدرجة أن قادة الأعمال اضطروا إلى دفع 15 ألف دولار للشخص الواحد لحضور الحدث... هذه الأعداد وحدها كانت كافية "لإظهار" جاذبية المستثمرين في الشرق الأوسط اليوم.
يكتسب هذا الحدث أهميةً بالغة كونه يُعقد في ظل انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية للعام الثاني على التوالي في عام 2023، مع تباطؤ الاقتصاد العالمي وتصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية. ومن المتوقع أن تنخفض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية بنسبة 2% لتصل إلى 1.3 تريليون دولار أمريكي في عام 2023، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة.
"ماكينة الصراف الآلي" في العالم المالي
وبحسب حسابات جولدمان ساكس، من المتوقع أن يرتفع إجمالي أصول دول مجلس التعاون الخليجي من 2700 مليار دولار أمريكي في عام 2021 إلى 3500 مليار دولار أمريكي في عام 2026. ومن المتوقع أن تستمر أصول هذا التكتل في النمو بقوة في السنوات القادمة، مما يوفر رأس مال وفير للاستثمار في صناعات التنمية الجديدة.
في الواقع، تبلغ قيمة صندوق الاستثمارات العامة السعودي 925 مليار دولار أمريكي، وهو يمر بمرحلة استثمارية قوية، بهدف تحقيق مبادرة رؤية 2030. كما أن مستثمرين آخرين من الشرق الأوسط يتمتعون بقدرات مالية متميزة، مثل صندوق مبادلة للاستثمار التابع للإمارات العربية المتحدة (302 مليار دولار أمريكي)، وهيئة قطر للاستثمار (475 مليار دولار أمريكي)، وصندوق الاستثمار الكويتي (800 مليار دولار أمريكي)، ليسوا خارج اللعبة الجديدة.
بفضل ثروات هائلة جمعتها بفضل طفرة النفط، وفي وقت يعاني فيه الممولون الغربيون التقليديون، ويضطرون إلى الانسحاب من الصفقات، أو تشديد قبضتهم على الاستثمارات الخاصة، تبرز صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط كممولين مهمين في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي، ودفع تطوير صناعة التكنولوجيا، مع اهتمام خاص بالصناعات الجديدة، مثل مشاريع الذكاء الاصطناعي الناشئة.
وكدليل على ذلك، تضاعفت الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي وألمع الشركات الناشئة من الشرق الأوسط خمسة أضعاف خلال العام الماضي، وفقًا لبيانات من Pitchbook.
علّقت قناة CNBC بأنّ قلة قليلة من صناديق رأس المال الاستثماري لديها القدرة على منافسة استثمارات مايكروسوفت أو أمازون التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. مع ذلك، يختلف الأمر بالنسبة لصناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط، إذ لا تمانع في "استثمار" أموالها في استثمارات بمليارات الدولارات "ذات مستقبل واعد".
حتى أن وسائل الإعلام شبّهت صناديق الاستثمار في الشرق الأوسط بـ"أجهزة الصراف الآلي" التي تُوفّر الأموال لصناديق الاستثمار الخاصة ورأس المال الاستثماري والصناديق التي تواجه صعوبات في جمع الأموال من مصادر أخرى. كما يشهد سوق الاندماج والاستحواذ نشاطًا متزايدًا مع تزايد الاهتمام من الشرق الأوسط، مع قطاعات متنوعة من الخدمات المصرفية الاستثمارية، وتجارة التجزئة، والمستشفيات، والأغذية... وصولًا إلى المشاريع الرياضية.
ومع ذلك، فإن استثمار الشرق الأوسط في الذكاء الاصطناعي والصناعات الناشئة ليس مجرد تمرين مالي، بل هو جزء من استراتيجية لتنويع الاقتصاد وبناء مستقبل مستدام.
وليس فقط المملكة العربية السعودية، بل إن عمالقة النفط الآخرين في الشرق الأوسط، مثل الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر، تشترك جميعها في نفس الهدف المتمثل في تنويع اقتصاداتها، وإحدى خطواتها هي التحول بقوة من اقتصاد النفط التقليدي إلى التكنولوجيا، ليس فقط كإجراء احترازي، ولكن كمسار جديد للتنمية.
يمكن القول أنه في العامين الماضيين، إذا كانت الذكاء الاصطناعي قد "اقتحمت" العالم، بعد أن أطلقت شركة OpenAI تطبيق ChatGPT، فإن صناديق الشرق الأوسط تسببت أيضًا في حدوث "تسونامي" في دعوات رأس المال من "عمالقة" التكنولوجيا.
وقال بيتر يادرستن، مؤسس شركة "جيد أدفايزرز" للاستشارات في مجال جمع التبرعات: "الجميع يريدون الذهاب إلى الشرق الأوسط الآن، تماماً كما حدث أثناء البحث عن الذهب في الولايات المتحدة".
[إعلان 2]
المصدر: https://baoquocte.vn/co-tich-ve-cac-quy-dau-tu-trung-dong-292029.html
تعليق (0)