في قلب شمال بولندا، تقع قرية ريدزيكوفو، التي تستضيف قاعدة عسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تُشكّل درعًا واقيًا من الهجمات الصاروخية، وخاصةً من التهديدات القادمة من الشرق. ووفقًا لخبراء عسكريين، فإن هذه القاعدة العسكرية الاستراتيجية ليست سوى "شوكة" في خاصرة روسيا، وتُعتبر "رمزًا" لتوسع الناتو المتواصل شرقًا.
"رمز قابل للتدقيق"
كل صباح، عندما يتنزه الصحفي البولندي توماش تشيسيك مع كلبه، يُستقبل بصوتٍ صاخبٍ للنشيد الوطني الأمريكي يُصدح من قاعدة ريدزيكوفو العسكرية. خلف سياجٍ من الأسلاك الشائكة، تحمل لافتات "ممنوع الدخول" بعدة لغات، تقع منشأة عسكرية من المتوقع افتتاحها هذا العام لتكون حصنًا منيعًا ضد أي هجمات صاروخية محتملة على أوروبا والولايات المتحدة.
موقع قاعدة ريدزيكوو في بولندا.
الكرملين قلق
رغم ادعاءات الولايات المتحدة بوجود غرض دفاعي، ترى روسيا في قاعدتي ريدزيكوفو ورومانيا منصتي انطلاق محتملتين لعمليات هجومية ضدها. وقد أدى تصاعد التوترات، مع إشارة موسكو إلى الرد، إلى زيادة الاحتكاك بين الجانبين، مما أدى إلى نشوء مناخ من عدم اليقين وانعدام الثقة.
تفاقمت مخاوف روسيا بسبب بناء بولندا قاعدة صواريخ في ريدزيكوفو، على بُعد 160 كيلومترًا فقط من جيب كالينينغراد الروسي، وأكثر من 1200 كيلومتر من موسكو. وقد زاد نشر نظام الدفاع الجوي "إيجيس آشور" في ريدزيكوفو، المجهز برادارات متطورة وقاذفات صواريخ، من مخاوف روسيا من تهديد وشيك.
سكان قرية ريدزيكوفو يشعرون بالقلق.
نشأت مشاكل محلية، إذ يخشى سكان قرية ريدزيكوفو أن يصبحوا أهدافًا محتملة في حال نشوب صراع. وتراجعت قيمة العقارات في القرية بشكل حاد، وأُعيد النظر في بعض المشاريع الاستثمارية في المنطقة خشية هجوم صاروخي محتمل.
التوازن الأمني وخفض التصعيد؟
تشمل جهود حلف الناتو لتهدئة التوترات اقتراح "آلية شفافية" لمعالجة مخاوف موسكو بشأن قواعد الصواريخ. إلا أن روسيا طالبت بتغييرات جوهرية، منها سحب الناتو لقواته العسكرية من أوروبا الشرقية والحد من نشر أسلحته الهجومية في المنطقة.
صورة لقاعدة ريدزيكوو.
"ورطة"
تعود جذور الصراع إلى انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية عام ١٩٧٢، وهي خطوة أزعجت القيادة السوفيتية آنذاك وأثارت سلسلة من الخلافات. واليوم، ترى روسيا في قدرات الدفاع الصاروخي الأمريكية تهديدًا مباشرًا، مما يُقوّض مبدأ الردع النووي الذي حافظ على الاستقرار خلال الحرب الباردة.
الحرب الباردة الحديثة
مع تصاعد التوترات، امتدت الأزمة الحالية إلى ما هو أبعد من أوكرانيا، لتشمل بولندا ورومانيا ودول البلطيق. ودعت موسكو إلى تغييرات جذرية في الأمن الأوروبي، وحثّت حلف شمال الأطلسي (الناتو) على تقليص وجوده العسكري في أوروبا الشرقية والحد من نشر الأسلحة الهجومية.
لم يتم حل المأزق.
في حين اقترح حلف شمال الأطلسي (الناتو) "آلية شفافية"، أصرت روسيا على تغييرات أعمق، مُسلِّطةً الضوء على القدرات الهجومية المحتملة لقواعد الدفاع الصاروخي في بولندا ورومانيا. ولا تزال المحادثات متعثرة، إذ لا يرغب أيٌّ من الطرفين في التنازل عن حدوده الحمراء.
ريدزيكوفو نموذجٌ مصغرٌ للعلاقة الجيوسياسية المعقدة بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا، والتي قد تُشكل مستقبل الأمن الأوروبي. وبينما يراقب العالم أصداء الحرب الباردة، يُذكرنا هذا بأن توازن القوى الدقيق يتطلب دراسةً متأنيةً ومهارةً دبلوماسيةً من جميع الأطراف.
لي هونغ (المصدر: منظر عسكري)
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)