"الشفاء" من الجانبين
لسنوات عديدة، كان متحف بقايا الحرب (رقم 28، شارع فو فان تان، حي شوان هوا، مدينة هو تشي منه) منصةً للتاريخ، وأصبح "ذاكرةً حيةً" للبلاد. وقد أكد العديد من الباحثين الدوليين أن المتحف يلعب دورًا مميزًا في "شفاء" جراح الحرب، مما يتيح فرصًا للمشاركين في ساحات القتال للتكاتف من أجل تحقيق الهدف النبيل: السلام والصداقة.
قالت السيدة هوينه نغوك فان، المديرة السابقة للمتحف: "الأهم من ذلك كله، أن المتحف بنى ونظم العديد من برامج التثقيف بالسلام للمشاركين، وبادر بتنظيم العديد من اللقاءات والتبادلات بين قدامى المحاربين من الدول المتحاربة وقدامى المحاربين والسجناء السياسيين السابقين في فيتنام. لقد ساهمت هذه الأنشطة في تقريب وجهات النظر، وربطتهم كأصدقاء جدد يعملون معًا من أجل السلام".
في المؤتمر الدولي الذي حمل عنوان "متحف مخلفات الحرب - متحف السلام"، والذي نظمه المتحف بالتعاون مع لجنة السلام في مدينة هو تشي منه، علّق الدكتور تران نجوين خانج (محاضر في جامعة العلوم الاجتماعية والإنسانية - جامعة فيينا الوطنية - هو تشي منه): "يُعدّ متحف مخلفات الحرب مكانًا لتخليد الذكريات المؤلمة، ومساحةً لتنمية التطلع إلى السلام ونقله. تكمن قوة المتحف الفريدة ليس فقط في حفظ القطع الأثرية أو إعادة إحياء الأحداث التاريخية، بل أيضًا في قدرته على إدارة الذاكرة الجماعية، ونسج قصص مؤثرة، وإثارة التعاطف لدى الجمهور، والقيام بأنشطة دبلوماسية رمزية على نطاق دولي".
وفقاً للدكتور تران نجوين خانج، تُعدّ متاحف الحرب أداةً مهمةً في استراتيجية بناء هوية عالمية، وتعزيز القوة الناعمة للبلاد. إنها مساحةٌ للذاكرة تُساعد فيتنام على حفظ تاريخها، والمشاركة بفعالية في الحوارات الدولية حول المصالحة وحقوق الإنسان والسلام. تُهيئ هذه المساحات الذاكرة ظروفاً لربط الماضي بالحاضر، بين الأفراد والمجتمعات، وبين الأمة والعالم.
قالت السيدة تون نو ثي نينه، رئيسة لجنة السلام في مدينة هو تشي منه ورئيسة مؤسسة السلام والتنمية في مدينة هو تشي منه: "إن الرسالة الأبرز التي يوصلها متحف مخلفات الحرب هي أن السلام لا يأتي فطريًا، بل هو ثمرة الإرادة والتضحية لحماية الاستقلال والحرية. ينبغي على المتحف مواصلة تعزيز رسالته في التثقيف من أجل السلام، مع التأكيد على التزام الدولة والشعب الفيتنامي الراسخ بالسلام المحلي والعالمي".
تحديد الحب مع الاتجاهات الجديدة
بمناسبة الذكرى الخمسين لتحرير الجنوب وإعادة التوحيد الوطني، أطلق متحف بقايا الحرب هويةً تجاريةً تحمل رسالة "لأن الحب نصر". ووفقًا لممثل المتحف، تُوفر الهوية التجارية إطارًا استراتيجيًا لتحقيق التوازن بين مهمة الحفاظ على التراث والتثقيف والحاجة إلى التسويق التجاري، مما يضمن التنمية المستدامة. علاوةً على ذلك، تُعدّ الهوية التجارية القوية والمتماسكة أداةً أساسيةً لبناء الثقة، وتأكيد تميز المتحف عن غيره من المعالم السياحية، وتعزيز الروابط الوثيقة مع الجمهور.

بالإضافة إلى ذلك، ونظرًا لطبيعة امتلاك مساحةٍ تُعرض فيها بكثافةٍ القطع الأثرية والوثائق التي تُوثّق وحشية الحرب، فإنّ تهيئة بيئةٍ نفسيةٍ آمنةٍ ومنظمةٍ ومُشجعةٍ على التأمل أمرٌ بالغ الأهمية. وتُلبّي رموز المتحف هذا المطلب بفعاليةٍ من خلال الاستخدام المُتسق للرمز اللوني الحصري "الأخضر للسلام" ولغةٍ رسوميةٍ مُميزةٍ بأيقوناتٍ بسيطةٍ وناعمة.
قالت السيدة دينه ثي نغوك هانغ، نائبة مدير المتحف: "تُضفي الوحدة الجمالية مجالًا بصريًا هادئًا ومنظمًا، في تناقض صارخ مع فوضى وألم موضوع المعرض. إنها بمثابة "مرساة نفسية"، تُساعد الزوار على الحفاظ على حالة ذهنية هادئة لتلقي الرسائل العميقة والتأمل فيها دون أن تُسيطر عليهم المشاعر السلبية". يُمثل هذا التغيير نقطة تحول مهمة: من مؤسسة مثقلة بخطابات التنديد بما بعد الحرب، إلى متحف لمخلفات الحرب، مركز تعليمي دولي مؤثر للسلام.
على مدى نصف القرن الماضي، تحوّل متحف بقايا الحرب من مساحة لعرض جرائم الحرب إلى "متحف للسلام" - مكان تتعايش فيه الذكريات والحب، حيث تتحول آلام الماضي إلى أمل للمستقبل. بفضل ابتكاراته المتميزة في الإدارة والهوية المؤسسية ورواية القصص بلغة الحب، لا يحفظ المتحف الذكريات الوطنية فحسب، بل ينشر أيضًا رسالة فيتنام الإنسانية العميقة للأصدقاء الدوليين: السلام هو الطموح والحب هو النصر الأبدي للبشرية.
تأسس متحف مخلفات الحرب في 4 سبتمبر 1975. ومنذ عام 1995، سُمي رسميًا بمتحف مخلفات الحرب. ومنذ عام 1998، أصبح المتحف عضوًا في الشبكة الدولية لمتاحف السلام (INMP). ومنذ ذلك الحين، ارتبطت صورة المتحف ارتباطًا وثيقًا بمهمته الإنسانية، ليصبح رمزًا للمصالحة والثقافة في مدينة هو تشي منه.
منذ إنشائه، استقبل المتحف ما يُقدر بـ 25 مليون زائر، بمعدل أكثر من 10,000 زائر يوميًا، معظمهم من الزوار الدوليين. يضم المتحف حاليًا أكثر من 20,000 وثيقة وقطعة أثرية وأفلام، العديد منها قطع أثرية قيّمة تبرع بها قدامى المحاربين والصحفيون والأصدقاء الدوليون. في عام 2023، دخل متحف مخلفات الحرب قائمة أفضل 1% من أفضل الوجهات السياحية في العالم، وكان الممثل الوحيد لفيتنام في هذه القائمة. في عام 2024، حصل المتحف على جائزة الوجهة الأكثر شعبية من TripAdvisor (أكبر موقع سفر في العالم).
المصدر: https://www.sggp.org.vn/bao-tang-chung-tich-chien-tranh-khong-gian-doi-thoai-va-hoa-giai-post811922.html
تعليق (0)