في الواقع، شهد عام ٢٠٢٣ العديد من الحوادث التي تُشير إلى أن بعض المؤسسات الصحفية قد ضلّلت طريقها نحو الذكاء الاصطناعي، وعلى الصحافة تجنّب هذه الأخطاء مستقبلًا. لكن السؤال هو: ما الذي يجب على الصحافة فعله؟
التمييز بين "صحافة الذكاء الاصطناعي" و"شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى"
أولاً، لا تعتبروا الذكاء الاصطناعي "عصا سحرية" لإنقاذ الصحافة. فالصحافة لا تزال شأناً خاصاً بين الناس. في بعض النواحي، لا يتفوق الذكاء الاصطناعي على الإنترنت أو الحواسيب أو الهواتف الذكية في مساعدتنا على أداء عملنا بشكل أفضل. صحيح أن كبرى الصحف حول العالم تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في عملها، ولكن فقط في إطار دعم الأنشطة الصحفية.
على وجه الخصوص، لا تخلطوا بين الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه شركات التكنولوجيا الكبرى والذكاء الاصطناعي في الصحافة. فالعديد من أدوات الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها شركات التكنولوجيا الكبرى تأخذ محتوىً موجودًا، وخاصةً المحتوى الصحفي، وتحوله إلى محتوى خاص بها - وهو شكل من أشكال انتهاك حقوق النشر الذي يدينه العالم أجمع. يجب على الصحافة أن تنظر إلى الذكاء الاصطناعي بشكل مختلف، وأن تستخدمه كأداة داعمة لإنتاج أعمال ومنشورات أكثر جودة، وللوصول إلى القراء والتفاعل معهم بشكل أفضل.
في الواقع، شهد عام ٢٠٢٣ العديد من الحوادث التي تُشير إلى أن بعض المؤسسات الإخبارية قد ضلّلت طريقها في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك عند استخدامها للذكاء الاصطناعي في كتابة المقالات، وواجهت انتقاداتٍ وإدانةً وتدميرًا ذاتيًا لقيمتها - سمعتها. وأبرز هذه الحالات موقع الأخبار الرياضية الأمريكي المرموق "سبورتس إلوستريتد" (SI).
على وجه التحديد، في أواخر نوفمبر 2023، أفاد موقع "فيوتشريزم" الإلكتروني أن مجلة "سبورتس إليستريتد" استخدمت مقالاتٍ مجهولة المصدر، زُعم أنها من تأليف الذكاء الاصطناعي. ورغم أن "سبورتس إليستريتد" لم تُقر بذلك، إلا أن مصادر "فيوتشريزم" أكدت: "هذا المحتوى مُولّد بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، بغض النظر عما يُقال". وقد تضررت سمعة الصحيفة، واضطرت إلى إنهاء عقدها مع الشركة المسؤولة عن نشر هذه المقالات. وفي أوائل عام 2023، واجهت تجارب كتابة الأخبار القائمة على الذكاء الاصطناعي مشاكل أيضًا في سلسلة صحف "غانيت" وموقع "سي نت" التقني.
وهكذا، على الرغم من اعتبار الذكاء الاصطناعي رافعةً لتطوير الصحافة من جديد، إلا أن الصحافة يجب أن تُنتج محتواها الخاص، أو على الأقل لا يمكنها استخدام الذكاء الاصطناعي إلا لاستخراج المحتوى من بياناتها أو وثائقها السابقة. ويُعتبر هذا المبدأ الأخلاقي الرائد في صحافة الذكاء الاصطناعي اليوم.
كيف تستخدم الصحافة الذكاء الاصطناعي؟
في حين اعتمدت العديد من الصناعات الذكاء الاصطناعي لأتمتة العديد من المهام، لا تزال الصحافة حذرة بسبب المشكلات المذكورة أعلاه. ووفقًا لأحدث الأبحاث التي أجرتها JournalismAI، لا تزال غرف الأخبار تستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة دعم، وليس بديلاً عن المراسلين في كتابة المقالات.
في مجال جمع الأخبار تحديدًا، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في مهام مثل التعرف الضوئي على الحروف (OCR)، وتحويل الكلام إلى نص، واستخراج النصوص، وهي مهام مملة كانت تستهلك الكثير من وقت الصحفيين. من بين البرامج المستخدمة على نطاق واسع حاليًا لهذه المهام: Colibri.ai، وSpeechText.ai، وOtter.ai، وWhisper.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم استخدام الذكاء الاصطناعي أيضًا لرصد التوجهات والمواضيع الإخبارية المهمة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال خدمات استخراج البيانات من الويب مثل CrowdTangle وDataminr وRapidminer. وعلى وجه الخصوص، يمكن لغرف الأخبار التعاون مع شركات الذكاء الاصطناعي لإنشاء أداة ذكاء اصطناعي أو روبوت دردشة لخدمة مهامها الخاصة.
في إنتاج الأخبار، تستخدم غرف الأخبار الذكاء الاصطناعي للتحقق من الحقائق. على سبيل المثال، تُساعد نماذج معالجة اللغة الطبيعية (NLP) في التحقق من الحقائق، حيث تُمكّن غرف الأخبار من تحديد البيانات ومطابقتها مع الادعاءات التي سبق التحقق من صحتها.
جرّبت بعض غرف الأخبار تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT، واستخدمتها في مهام إنتاج المحتوى، ولكن فقط للملخصات والعناوين الرئيسية والقصص المرئية. بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم Grammarly وأدوات التدقيق الإملائي الأخرى المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحرير المحتوى المكتوب وتدقيقه وتحسين جودته.
في مجال توزيع الأخبار، طبّقت العديد من وكالات الإعلام والصحافة الكبرى حول العالم الذكاء الاصطناعي لزيادة سهولة وصول القراء إليه، وهو المجال الأهم في الصحافة. وتحديدًا، سيساعد الذكاء الاصطناعي على تخصيص المحتوى الذي يُناسب اهتمامات القراء والتوصية به. كما أن تقنية الذكاء الاصطناعي، التي تُحوّل الصوت إلى نص، أو العكس، تُمكّن القراء من الوصول إلى المقالات بشكل أكبر.
تستخدم بعض المؤسسات الإخبارية أيضًا أدوات الذكاء الاصطناعي مثل Echobox وSocialFlow للنشر بكفاءة وسرعة أكبر على منصات التواصل الاجتماعي. كما تُستخدم روبوتات الدردشة لجعل تجربة القارئ أكثر متعة وتحقيق معدلات استجابة أسرع. على سبيل المثال، تُستخدم روبوتات الدردشة عبر واتساب لإرسال ملخصات الأخبار اليومية من قِبل العديد من الصحف في الولايات المتحدة وأوروبا.
في مجال توزيع الأخبار أيضًا، يُعدّ استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين ظهور نتائج البحث أمرًا بالغ الأهمية للصحافة الرقمية. تُساعد أدوات تحسين محركات البحث (SEO) المدعومة بالذكاء الاصطناعي غرف الأخبار على فهم اهتمامات جمهورها بشكل أفضل. يُعدّ Ubersuggest أداة ذكاء اصطناعي للبحث عن الكلمات المفتاحية على الإنترنت، ويُظهر Google Discover المواضيع الرائجة، ويُظهر CrowdTangle منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تحقق أداءً جيدًا.
من الجليّ أن أدوات الذكاء الاصطناعي أساسية في عصر الصحافة الجديد، تمامًا كما لا يمكن للصحف والصحفيين الاستغناء عن الكاميرات، وكاميرات الفيديو، والإنترنت، وأجهزة الكمبيوتر... وسيكون تأثير الذكاء الاصطناعي أعمق. ولكن، تجدر الإشارة مجددًا إلى أن الصحافة لا يمكنها استخدام الذكاء الاصطناعي لنسخ المحتوى أو انتهاك حقوق الطبع والنشر لإنتاجه. هذا هو المسار الذي سيُغرق الصحافة في أزمة أعمق فأعمق.
تعتقد معظم غرف الأخبار أن الذكاء الاصطناعي سيساعد الصحافة على التطور بشكل أكبر. صورة توضيحية: جي آي |
تران هوا
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)