أطلق الرذاذ ببطء الهواء البارد ليغطي كل زاوية، وارتجف العشب والأشجار وتقلصت في الأيام الباردة الأخيرة من الشتاء.
تُغلق الأيام والشهور تدريجيًا، بالقلق والضجيج على الصفحات المتبقية من التقويم القديم. رأس السنة على وشك أن يخطو على رؤوس أصابعه، والوقت يمضي بسرعة هائلة، فتمتلئ قلوب الناس بالحنين والحب والشوق والترقب لخطوات الأطفال المألوفة البعيدة عن الوطن.
على أرض نهر بو الخصبة، تنتظر رؤوسٌ أخبارًا عن أبنائها في بلاد الغربة. جدران منازلهم المغطاة بالطحالب تتداعى. صفوف أشجار النخيل الصينية الشامخة تنتظر من يعود ويُقلّمها لاستقبال الربيع. تفتقر الحدائق إلى أيادٍ قوية تحمل دلاء السماد لأشجار البوميلو حتى يُثمر الموسم القادم ثمارًا حلوة ولذيذة...
عزيزي، رائحة الربيع ستكون قوية، لماذا لم تقرر العودة حتى الآن؟
في البيت المجاور طفلٌ بعيدٌ عن الوطن يُعلن عودته وسط ضحكاتٍ مرحة. وفي البيت الآخر زوجان شابان منشغلان بكسب عيشهما في الخارج، ويستعدان أيضًا للعودة إلى الوطن في عيد تيت... لكن عائلتنا تنتظره منذ زمنٍ طويل، ولم تصلنا أي أخبارٍ عنه بعد. يمتلئ زالو وفيسبوك برسائل تُحثّ وتُذكّر بعضها البعض بالعودة.
في الأيام القليلة الماضية، كان أبي يرتشف نبيذًا أكثر من ذي قبل. تبدو وقفته المتأملة على الطاولة في زاوية الخزانة، وصوت النبيذ وهو يُسكب في الكأس، ورشفاته وتنهداته، مفجعة للغاية. ربما يفتقد أبي ابنه الأكبر المفقود منذ عام كامل. ذلك الابن الذي كان يومًا ما مصدر فخر واعتزاز لأبيه، والذي حطم قلبه بعد سقوط مؤسف في الحياة، لا يزال الآن يتجول في أرض غريبة.
الرجال بارعون جدًا في إخفاء شوقهم وألمهم في أعماق قلوبهم، بينما تُعبّر النساء عن مشاعرهن بلطف بالدموع. احمرّت عينا الأمّ مراتٍ عديدة كلما ذكرته... في هذا اليوم، كانت مشغولةً بتخليل البصل المخلل له وتمليح برميل من الملفوف المخلل له - الطبق المُفضّل لدى ابنها الحبيب.
أنظر إلى شعر أمي، الذي شيب مع مرور الوقت، بجانب سلة البصل المخلل وحوض الملفوف، يؤلمني قلبي. كم من الوقت بقي للتردد؟ الوقت لا ينتظر أحدًا، فلماذا أفوّت موعدًا؟
عد إلى المنزل، عد إلى حب عائلتك! سعال أبي المبحوح يحتاج إلى يدك الرقيقة المداعبة، يدا أمي المرتعشتان بحاجة إلى يدك القوية لتمسكهما بقوة، لتداعباهما بحب. زاوية الفناء، الحديقة، الشرفة، والسقف المبلط بحاجة إلى شخص حنون يطليها ويصلحها...
عودوا إلى المنزل، لنحتفل معًا بعيد رأس السنة! عودوا إلى المنزل لتمتلئ وجبة لمّ الشمل العائلي بالجميع. حتى لو اقتصرت على المخللات وصلصة السمك والملح، يبقى الأرز لذيذًا، ويظل عيد رأس السنة يحمل في طياته دفء حب العائلة. قدّموا لبعضكم البعض طبقًا من الأرز، واسألوا بعضكم البعض باستمرار عن الأيام الصعبة، وعندها ستمتلئ قلوبكم بالدموع، مدركين قيمة لحظة لمّ الشمل!
عد يا عزيزي، لتستنشق هواء ربيع وطنك الدافئ. لا مكان أريح من الوطن، ولا مكان أحب من مدينتك. ستكون أبواب القرية مزينة بالورود، وستُنظف طرقها وأزقتها بعناية، في انتظار خطوات الأطفال البعيدين عن الوطن.
عودي إلى المنزل، عودي إلى المنزل لتشتري لطفلكِ قميصًا جديدًا وحذاءً مزهرًا. ابنتكِ جميلةٌ جدًا وفاتنة. النظر إلى صورها على فيسبوك والتحدث معها عبر الهاتف لا يُعبّران عن حبكِ لها تمامًا.
عودي إلى المنزل واحتضني طفلكِ، قبّليه، دللي خدوده، واستمعي إلى همساته المُحبّة، سترين كم تستحق الحياة أن تُعاش، وكم هي جميلة! أطلقي بلطف أمواج الحزن التي تجتاح قلبكِ منذ زمن طويل، لتغمر روح طفلكِ، ودع الحب يُهدئ الجروح والخدوش التي لا تزال مُشتعلة وتنتظر أن تُؤلم...
الوطن مكانٌ للعودة إليه، وليس مكانًا لتخزين الذكريات والحب. الوطن مكانٌ للعودة إليه بعد شهورٍ من الترحال المُرهق، لشحن طاقتنا وتجديدها، وليس مكانًا لحجز المواعيد ثم... إلغائها. ارتدِ ملابس أقل، وأنفق أموالًا أقل، لتستفيد من الأيام الأخيرة من العام لترتيب العودة.
بعد رحلة طويلة، هيا بنا إلى الوطن! المسافة بين مدينة هو تشي منه وهوي ليست بعيدة، بعيدة جدًا، فلا مجال للتردد والتردد. جهّز حقيبة ظهرك، واذهب إلى محطة الحافلات، واركب الحافلة، وعد إلى الحب...
نيويورك
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)