يُقيّم مدى جاهزية أي دولة أو إقليم لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من خلال ثلاثة ركائز أساسية: الحكومة ، والتكنولوجيا، والبنية التحتية للبيانات. في عام 2021، ولأول مرة، بلغ مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي في فيتنام 51.82/100، متجاوزًا المتوسط العالمي البالغ 47.72؛ متقدمًا 14 مركزًا مقارنة بعام 2020 ( 1 ) . واستمر هذا المؤشر في الارتفاع خلال عامي 2022 و2023. ولا تعكس هذه البيانات تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي فحسب، بل تُظهر أيضًا اتجاه تشكيل صناعة الذكاء الاصطناعي في فيتنام، إيذانًا ببدء حقبة جديدة، حقبة التنمية الوطنية.
في هذا السياق، لا يُعد الذكاء الاصطناعي أداةً داعمةً فحسب، بل يُعيد تشكيل العديد من المجالات في المجتمع تدريجيًا، بما في ذلك الصحافة والإعلام. فإذا كانت عملية إنتاج الأخبار أو التقارير الصحفية تعتمد في الماضي كليًا على البشر، يُمكن للذكاء الاصطناعي الآن كتابة المقالات، وإنشاء الصور، وتحرير الفيديوهات ، وحتى اقتراح محتوى لكل جمهور تلقائيًا. يُتيح الانتشار المتزايد للذكاء الاصطناعي فرصًا عظيمةً لقطاع الصحافة والإعلام، ولكنه في الوقت نفسه يُشكل تحدياتٍ كبيرة. وفي مواجهة هذا التغيير السريع، لا يُمكن لتدريب الموارد البشرية في مجال الصحافة والإعلام أن يُهمل.
بعض تأثيرات الذكاء الاصطناعي على أنشطة الصحافة والإعلام
يُحدث تطور الذكاء الاصطناعي تغييرات إيجابية عديدة في أنشطة الصحافة والإعلام. ووفقًا لتقرير صادر عن معهد رويترز لدراسة الصحافة (المملكة المتحدة)، بحلول عام 2024، ستُطبّق أكثر من 75% من غرف الأخبار الرئيسية في العالم تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراحل إنتاج الأخبار. وهذا يُظهر أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا لا غنى عنه في صناعة الصحافة الحديثة (2) . ومن الواضح أن للذكاء الاصطناعي بعض الآثار الإيجابية على أنشطة الصحافة والإعلام، بما في ذلك:
تشارك الذكاء الاصطناعي في العملية الإبداعية، مما يساعد على تحسين عملية إنتاج المحتوى
يُثبت الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد دوره المحوري في تحسين عملية إنتاج المحتوى الصحفي والإعلامي، من خلال مشاركته المباشرة في المراحل الإبداعية. ومن أبرز تأثيرات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال إمكانية أتمتة عملية الإنتاج. ففي السابق، كانت كتابة الأخبار تتطلب خطوات يدوية عديدة، بدءًا من جمع المراسلين للمعلومات، ومعالجة المحررين للمحتوى، ووصولًا إلى تحرير الصور والفيديوهات من قِبل الفنيين، أما الآن، فقد أدار الذكاء الاصطناعي العديد من هذه الخطوات بفعالية.
ومن الأمثلة النموذجية على ذلك نظام هيليوجراف، وهو نظام كتابة الأخبار الآلي في صحيفة واشنطن بوست. وقد أنتج هذا النظام أكثر من 300 خبر رياضي خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ريو 2016، مما ساعد على اختصار وقت الإنتاج وضمان الدقة استنادًا إلى البيانات اللحظية. واستمرت هذه الصحيفة في استخدام الذكاء الاصطناعي بفعالية في تغطية الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. فمع نظام هيليوجراف، لا يحتاج الصحفيون إلا إلى مراقبة الإنتاج، بينما يتولى الذكاء الاصطناعي جميع الصياغات الأولية، مما يساعد على توفير الوقت مع ضمان الدقة (3) . وفي فيتنام، كانت صحيفة VnExpress الإلكترونية رائدة في تطبيق أنظمة توصية المحتوى، وتخصيص التجارب، ومراقبة الأداء، مما أدى إلى تحسين كفاءة عمل مكتب التحرير.
لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على المشاركة في عملية الكتابة فحسب، بل يُسهم أيضًا في عملية إنشاء المحتوى من خلال تحليل البيانات والتنبؤ بالاتجاهات. وتستطيع أدوات الذكاء الاصطناعي مسح آلاف الوثائق ووسائل التواصل الاجتماعي ومصادر الأخبار لاكتشاف الكلمات المفتاحية، واتجاهات الرأي العام، أو اهتمامات القراء البارزين. وهذا يُساعد المراسلين وغرف الأخبار على اتخاذ قرارات استراتيجية في اختيار المواضيع والمناهج وأوقات النشر، مما يُعزز انتشار المحتوى الصحفي.
أصبحت منصات مثل Google Trends وBuzzSumo، جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستخدم، أدوات شائعة في مرحلة ما قبل الإنتاج في الصحافة والإعلام. وفي مرحلة ما بعد الإنتاج، يواصل الذكاء الاصطناعي إثبات قوته من خلال تحرير النصوص، والتحقق من الانتحال، وتحسين اللغة، وتحسين عرض المحتوى. ولا تقتصر أدوات مثل Grammarly وQuillbot والذكاء الاصطناعي المدمج في أنظمة إدارة المحتوى على تصحيح الأخطاء الإملائية فحسب، بل تقترح أيضًا تعبيرات أكثر تماسكًا وتناسب أسلوب التحرير والجمهور المستهدف. كما ساهم تحسين العناوين والكلمات المفتاحية وفقًا لمعايير تحسين محركات البحث (SEO) بفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي في زيادة ظهور المقالات على محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى جذب المزيد من القراء دون تدخل يدوي.
يُذكر أن الذكاء الاصطناعي يُساعد الصحفيين أيضًا على تطوير أشكال تعبيرية جديدة وحيوية، مثل الرسوم التوضيحية ومقاطع الفيديو والرسوم البيانية. بفضل أدوات مثل Midjourney وAdobe Firefly وRunway ML، يُمكن للصحفيين إنشاء رسوم توضيحية أو مقاطع فيديو بسرعة من أوصاف النصوص دون الحاجة إلى مهارات رسومية متخصصة. لا تقتصر هذه الأدوات على دور الدعم الفني فحسب، بل تُعزز أيضًا الإبداع بشكل مباشر، مما يُساعد كل صحفي على أن يصبح "منتجًا" للوسائط المتعددة. فبدلًا من انتظار قسم التصميم، يُمكن للصحفيين ابتكار أفكار رسومية استباقية منذ مرحلة التخطيط.
يتضح أن أتمتة الوظائف قد وصلت إلى المرحلة النهائية من عملية إنتاج الأخبار، وأن المزيد من وسائل الإعلام تتبنى الأخبار المُولّدة حاسوبيًا. «تستبدل الأتمتة الصحفيين بالخوارزميات - ليس كتهديد، بل كطريقة جديدة لبناء القصص» (4) .
تساعد الذكاء الاصطناعي على تخصيص بيانات المستخدم وتحليلها وتحسين مستوى التفاعل بين وكالات الأنباء والقراء.
الصحافة اليوم ليست مجرد محتوى، بل هي أيضًا بيانات المستخدم. كل نقرة، أو وقت مُستغرق في قراءة مقال، أو جهاز مُستخدم للوصول، أو عادات القراءة حسب الوقت، كلها يُمكن تسجيلها وتحليلها وتحويلها إلى معلومات مُدخلة تُستخدم في أنشطة إنتاج المحتوى الصحفي بواسطة النظام. هذا هو أساس تطبيق الذكاء الاصطناعي في الصحافة على عملية التخصيص، وتحليل بيانات المستخدم، وتعزيز التفاعل العام. هذه إحدى الميزات الرائدة في الصحافة الحديثة.
أولاً، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تحليل سلوك المستخدم لتخصيص محتوى الأخبار. فعلى عكس الصحف التقليدية التي تُقدم معلومات جماهيرية واسعة، تُقدم الصحف الحديثة - وميزتها الكبرى الصحف الإلكترونية - تجربة قراءة مختلفة تماماً لكل فرد. فمن خلال تتبع النقرات، ووقت القراءة، والأقسام المفضلة، أو حتى أوقات الوصول، يُمكن للذكاء الاصطناعي بناء صورة تفصيلية للقارئ. ومن ثم، يُوصي النظام بالمحتوى المناسب، ويُعدّل واجهة العرض، بل ويقترح عناوين وأطوالاً للأعمال وفقاً لتفضيلات كل شخص في تلقي المعلومات.
من الأمثلة الملموسة على فعالية التخصيص نظام توصية المقالات الذي يُعرض في نهاية كل مقال صحفي إلكتروني بعبارة "قد يهمك". في البداية، كان هذا مجرد قائمة بأحدث المقالات أو الأكثر شيوعًا. ولكن مع دمج الذكاء الاصطناعي، يمكن للنظام "التعلم" من المستخدم. على سبيل المثال، إذا كنت تقرأ كثيرًا عن التعليم، فسيعطي قسم التوصيات الأولوية للمقالات في فئة التعليم، أو التي لها وقت قراءة مماثل، أو التي كتبها مؤلفون سبق لك قراءتها. ومن هنا، تصبح تجربة القارئ أكثر سلاسة، ويشعر بأن "الصحافة تفهمك"، مما يزيد من مستوى التفاعل والعودة إلى هيئة التحرير.
يُحسّن الذكاء الاصطناعي انتشار المحتوى من خلال مساعدة غرف الأخبار على تتبّع اتجاهات قراءة الأخبار فورًا. تُحلّل منصات مثل Google Trends، أو البيانات الداخلية من أنظمة إدارة المحتوى (CMS)، بواسطة الذكاء الاصطناعي لتحديد المواضيع الأكثر جذبًا للاهتمام في كل فترة زمنية. ونتيجةً لذلك، يُمكن لغرف الأخبار تعديل استراتيجيات النشر الخاصة بها، وزيادة ظهورها، والوصول إلى القراء في الوقت المناسب.
يُسهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تحسين مستوى التفاعل بين القراء وغرفة الأخبار. لا يقتصر الأمر على "اقتراح ما يُقرأ لاحقًا"، بل يُتيح أيضًا إمكانية التفاعل المباشر من خلال روبوتات الدردشة الإخبارية. على سبيل المثال، أطلقت صحيفة ثانه نين مشروع "الصحيفة الذكية" باستخدام الذكاء الاصطناعي لقراءة الأخبار والرد عليها بناءً على طلبات المستخدمين، مما يُساعد على توفير الوقت وتحسين رضا القراء. "ارتفع عدد مستخدمي ميزة "الصحيفة الذكية" إلى 16,000 حساب، مع حوالي 4,000 مستخدم جديد شهريًا وحوالي 6,000 طلب تفاعل أسبوعيًا" (5) . وهذا دليل واضح على أن الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُصبح جسرًا فعالًا بين المحتوى الصحفي والجمهور. بالإضافة إلى ذلك، يدعم الذكاء الاصطناعي غرفة الأخبار في تحسين استراتيجيات تسويق المحتوى، وتحسين أداء مُحركات البحث، وأمن المعلومات، وهي عوامل أساسية لتطور الصحافة بشكل مستدام في البيئة الرقمية.
الذكاء الاصطناعي يغير الأدوار ويعزز التفكير الصحفي الحديث
في البيئة الرقمية، يشهد دور الصحفيين وعقليتهم تغيرات جذرية تحت تأثير الذكاء الاصطناعي. فخلافًا للصحافة التقليدية ذات عملية الإنتاج المغلقة، التي تتأثر بشكل أقل مباشرة ببيانات المستخدم، تتطلب الصحافة الحديثة من الصحفيين التكيف مع النظام البيئي الرقمي، ويلعب الذكاء الاصطناعي دور الشريك الداعم. أولاً، الصحفيون المعاصرون ليسوا مجرد كُتّاب، بل هم أيضاً مُنشئو محتوى متعدد الوسائط لنقل المعلومات بأسلوب شيق. في أشكال الصحافة الحديثة، كالصحافة الطويلة والقصصية الضخمة والصحافة البصرية، لا يعتمد هيكل المقالات على أساليب الكتابة التقليدية فحسب، بل يُبنى أيضاً على سلوك القراءة وعادات استهلاك المحتوى على المنصات الرقمية. وهذا يتطلب من الصحفيين تغيير عقليتهم من "مُقدّمي معلومات" إلى "مصممي تجربة معلومات".
هذا التغيير ليس نظريًا فحسب، بل تم التحقق منه أيضًا من خلال نماذج تطبيقية عملية حول العالم. في إيطاليا، نشرت صحيفة "آي آي فوليو" ملحقًا صحفيًا مكتوبًا بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي، بواقع أربع صفحات يوميًا لمدة شهر، ثم يُصان دوريًا. في المملكة المتحدة، تستخدم صحيفة "الإندبندنت" نموذج لغة "جيميني" من جوجل لتلخيص المقالات في خدمة "النشرة"، تحت إشراف الصحفيين. تُظهر هذه النماذج كيف يتعاون الصحفيون مع الذكاء الاصطناعي لتوفير معلومات موثوقة، بسرعة وضمان مصداقيتها. في هذا الصدد، لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الصحفيين، بل يُسهّل عليهم التركيز على التحرير، والتحقق من السياق، والتحقق من الحقائق، وضمان التزام المحتوى بالأخلاقيات.
من التغييرات الجوهرية الأخرى مفهوم التحديث المستمر. ففي السابق، كان بإمكان الصحفيين إنهاء عملهم فور نشر مقال. أما الآن، ومع أدوات تحليل البيانات الآنية، يدعم الذكاء الاصطناعي تتبع أداء المقالات بعد النشر، بدءًا من عدد القراءات، ومدة الانتظار، وصولًا إلى آراء القراء. ونتيجةً لذلك، يمكن للصحفيين تعديل العناوين الرئيسية بمرونة، وإضافة معلومات، أو تحديث تفاصيل جديدة لإطالة عمر المقال. ويتطلب نموذج "النشر المرن" هذا من الصحفيين مواكبة إنتاجهم قبل النشر وبعده.
يتضح أن الذكاء الاصطناعي لا يلغي دور الصحفيين، بل يُعيد تعريفه. فالصحفيون المعاصرون لا يكتفون بالكتابة والتقاط الصور فحسب، بل عليهم أيضًا فهم البيانات والتكنولوجيا والتفكير في تصميم المحتوى. ويصبح الذكاء الاصطناعي رفيقًا لهم، لا بديلًا عنهم، بل حافزًا لهم ليصبحوا أكثر مرونةً وإبداعًا وقدرةً على التكيّف مع المشهد الإعلامي الرقمي المعاصر.
على الرغم من فوائده العديدة، يُشكّل الذكاء الاصطناعي أيضًا العديد من التحديات والعواقب السلبية على قطاع الصحافة والإعلام. فالمحتوى المُولّد بواسطة الذكاء الاصطناعي، على الرغم من سرعته وثرائه، غالبًا ما يفتقر إلى العمق والعاطفة والحدس - وهي العناصر التي تُشكّل هوية الصحافة. يُمكن أن يُؤدي إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي إلى انتشار الأخبار الكاذبة على نطاق واسع، لا سيما من خلال تقنيات مثل التزييف العميق وروبوتات الدردشة. عندما تنتشر المعلومات المضللة بسرعة ودون سيطرة، ستتآكل الثقة في الصحافة السائدة. إضافةً إلى ذلك، فإن التخصيص المفرط للمحتوى بناءً على الخوارزميات يُوقع القراء في فقاعات معلوماتية، حيث لا يصلون إلا إلى ما يُناسب آرائهم الشخصية، مما يُقلل من قدرتهم على التفكير النقدي. يُمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل بعض الأدوار التقليدية في غرف الأخبار، مما يُثير مخاوف بشأن وضع الصحفيين الوظيفي ودورهم. لذلك، يجب على الصحافة الحديثة توخي الحذر في استخدام الذكاء الاصطناعي، واستخدامه كأداة دعم لا بديل عن البشر.
بعض المقترحات لتدريب الموارد البشرية في الصحافة والإعلام في السياق الراهن
أحدث التطور السريع للذكاء الاصطناعي تغييرات جذرية في مجال الصحافة والإعلام. وإلى جانب الآثار الإيجابية، ثمة سلسلة من التحديات الأخلاقية والتكنولوجية والقانونية، لا سيما في سياق الممر القانوني في فيتنام الذي لا يزال قيد الاكتمال. وفي هذا السياق، لا بد من تغيير أسلوب تدريب الموارد البشرية في قطاع الصحافة والإعلام من جذوره.
أولاً ، يجب أن يتحول مفهوم التدريب من تدريس مهارات الصحافة التقليدية إلى بناء قدرات شاملة في بيئة الإعلام الرقمي. يشمل محتوى التدريب: إنشاء محتوى الوسائط المتعددة، والتفكير التكنولوجي، والقدرة على تحليل البيانات، وأخلاقيات الإعلام، وغيرها. وفي هذا السياق، تُصبح المهارات الرقمية والقدرة على استخدام الذكاء الاصطناعي متطلبات إلزامية.
على الرغم من تزايد تأثير الذكاء الاصطناعي في كل خطوة ومرحلة من مراحل إنتاج المنتجات الصحفية والإعلامية، إلا أن تطبيقه لا يزال يفتقر إلى التناغم بين أقسام غرفة الأخبار. ويعود ذلك إلى تفاوت الوعي والمهارات في استخدام الذكاء الاصطناعي بين الصحفيين، الذين يعتمد معظمهم على التعلم الذاتي ويفتقرون إلى التدريب الرسمي. ويتطلب هذا الواقع من مؤسسات التدريب الصحفي والإعلامي ليس فقط تطوير أساليبها التدريبية، بل أيضًا جعل المعرفة والمهارات في استخدام الذكاء الاصطناعي موضوعًا أساسيًا في برامج التدريب الصحفي والإعلامي. أما في مجالات الدراسة التي تتطلب مهارات أكثر تخصصًا، فمن الضروري دمج المحتوى المتقدم، وربط التدريب النظري بممارسة أدوات الذكاء الاصطناعي المحددة، المناسبة لكل خط إنتاج متعدد الوسائط.
بالنسبة لبرامج التدريب الصحفي، ينبغي اعتبار محتوى مثل "الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الصحفي" و"استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في كل نوع من أنواع الصحافة" جزءًا إلزاميًا من إطار برنامج التدريب. هذا لا يُسهم فقط في تضييق الفجوة بين الأجيال في استخدام التكنولوجيا، بل يُسهم أيضًا في تحسين كفاءة التنسيق في العمليات العملية في غرف الأخبار. إضافةً إلى ذلك، يجب التمييز بين أنشطة التدريب وفقًا للخصائص المهنية، مثل: بالنسبة لأنواع الأخبار، يُمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي على مستوى عالٍ؛ وبالنسبة لأنواع التقارير الاستقصائية، يلزم تشديد مهارات الرقابة وما بعدها، إلخ.
ثانيًا، يجب أن يكون برنامج التدريب متعدد التخصصات، يربط بين الصحافة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وعلوم البيانات والتسويق الرقمي، وغيرها، ويتجه نحو توحيد المعرفة والتفكير في استخدام الذكاء الاصطناعي للحد من الاعتماد على الأدوات وإساءة استخدامها. إن استخدام عدد كبير من الصحفيين حاليًا للذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل أساسي على الخبرة الشخصية، ويفتقرون إلى التوجيه أو الفهم الأساسي، مما يُبرز الحاجة المُلِحّة لتوحيد القدرة على استخدام التكنولوجيا الرقمية.
إن حالة "المعرفة دون الفهم" أو "الاستخدام دون التحكم" محفوفة بمخاطر عديدة، بدءًا من استخدام الأدوات الخاطئة وصولًا إلى إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في مواقف غير مناسبة. لذلك، لا ينبغي أن يقتصر التدريب على تعريف الأدوات فحسب، بل يهدف أيضًا إلى بناء عقلية استخدام التكنولوجيا بانتقائية ومسؤولة. يجب أن يكون طلاب الصحافة والاتصال على دراية بمفاهيم مثل التعلم الآلي، وبيانات التدريب، وآلية عمل روبوتات الدردشة أو مُولّدات المحتوى المرئي، وما إلى ذلك، حتى يتمكنوا ليس فقط من معرفة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، بل أيضًا كيفية تقييمه وانتقاده واستغلاله بأمان وفعالية.
بالإضافة إلى ذلك، عندما يتم دمج برنامج التدريب في اتجاه متعدد التخصصات، يتم تزويد الطلاب بمعرفة الصحافة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وعلوم البيانات والتسويق الرقمي وما إلى ذلك، مما سيساعد الطلاب ليس فقط على معرفة كيفية إنشاء المحتوى وممارسة الكتابة والتصوير ومهارات التحرير وما إلى ذلك، ولكن أيضًا على فهم كيفية عمل الذكاء الاصطناعي وتحليل بيانات المستخدم وبناء استراتيجيات اتصال فعالة.
في الواقع، على الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد محتوى نصي وصوري وفيديو بسرعة، إلا أن جودة هذه المنتجات لا تزال أقل بكثير من المتطلبات المهنية والجمالية للصحافة والإعلام الحديث. يعتقد قطاع من الجمهور حاليًا أن المحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي غالبًا ما يفتقر إلى العمق، ويتميز بأسلوب كتابة جامد، ولا يتسم بالمرونة في تطبيقه (6) . يتطلب هذا تدريب طلاب الصحافة والإعلام ليس فقط على مرحلة "إنشاء المحتوى باستخدام الذكاء الاصطناعي"، بل أيضًا على تحرير المحتوى المُقدم من الذكاء الاصطناعي والتحقق منه وإعادة إنشائه. مهارة "التدقيق اللاحق" هذه هي ما يميز المحتوى المُعدّ آليًا عن المنتجات الصحفية عالية الجودة. في التدريس، من الضروري دمج تمارين مثل: "مقارنة المحتوى المكتوب بواسطة الذكاء الاصطناعي والبشر"، "إعادة تحرير النص من الذكاء الاصطناعي"، أو "اكتشاف الأخطاء الدلالية والمنطقية في المقالات المُنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي"... وبالتالي، يتم تدريب الطلاب على التحرير والإبداع، مما يجعل الذكاء الاصطناعي أداة دعم، وليس بديلًا عنه.
ثالثًا ، يجب تدريب الطلاب على التفكير النقدي والتحليلي ومهارات التحقق من المعلومات، لأنها مهارات لا يمكن للذكاء الاصطناعي تعويضها، ولكنها ضرورية للغاية في عصر المعلومات الفوضوية. لا يقتصر تطوير الذكاء الاصطناعي على الجوانب التقنية فحسب، بل يُمثل أيضًا تحديًا كبيرًا من حيث الأخلاقيات والقانون في مجال الصحافة والإعلام. عندما يتمكن الذكاء الاصطناعي من إنشاء محتوى يبدو "أصليًا" ولكنه غير مُتحقق منه، فإن خطر نشر الأخبار الكاذبة والمحتوى المُضلل يكون مرتفعًا للغاية إذا لم يتم التحكم فيه. في هذا الوضع، من الضروري تضمين محتوى حول أخلاقيات الصحافة الرقمية في برنامج التدريب. يحتاج الطلاب إلى فهم واضح للمبادئ، مثل: شفافية المعلومات، واحترام الخصوصية، والإفصاح عن مصادر المحتوى، إلخ. في الوقت نفسه، من الضروري ممارسة مهارات التعامل مع المواقف، مثل: اكتشاف المحتوى المزيف الذي يُنشئه الذكاء الاصطناعي، وتحديد المسؤولية عند حدوث أخطاء، أو عندما "يُبالغ" الذكاء الاصطناعي في المعلومات بشكل خارج عن السيطرة.
بالإضافة إلى ذلك، يحتاج طلاب الصحافة والاتصال إلى تطوير القدرة على استخدام الأدوات المحلية والتفكير المستقل في التكنولوجيا. تتمثل إحدى المشكلات الاستراتيجية في الاعتماد المفرط على أدوات الذكاء الاصطناعي المطورة أجنبيًا، مما يجعل من الصعب على الصحافة الفيتنامية تأمين البيانات والتحكم في المحتوى وضمان الملاءمة الثقافية. إن الاستخدام الشائع لأدوات مثل ChatGPT وGrammarly وCanva AI وما إلى ذلك، على الرغم من ملاءمتها، يكشف أيضًا عن قيود، وهي غير مخصصة للقراء الفيتناميين ولا تعكس خصائص اللغة والثقافة المحلية. وهذا يتطلب تدريب طلاب الصحافة والاتصال ليس فقط على معرفة كيفية استخدام الأدوات، ولكن أيضًا على امتلاك العقلية لتطوير أو تعديل الأدوات لتناسب السياق الفيتنامي. يجب تضمين الموضوعات المتعلقة بـ "تصميم تجربة المستخدم (UX)" و"تخصيص الذكاء الاصطناعي للغات المحلية - البيانات" أو "تقييم التأثير الثقافي لمحتوى الذكاء الاصطناعي" في برنامج التدريب لإلهام الإبداع وإتقان التكنولوجيا لدى الجيل الجديد من الصحفيين.
يحتاج مُحاضرو الصحافة والإعلام أيضًا إلى التدريب والتحديث بمعارفهم الجديدة في مجال التكنولوجيا والإعلام الرقمي. يُعدّ هذا شرطًا أساسيًا لتطوير محتوى وأساليب التدريس في المدارس. ففي نهاية المطاف، لا تزال قدرات ووعي ومؤهلات أعضاء هيئة التدريس من أهم العوامل التي تُحدد جودة تدريب الكوادر البشرية في مجال الصحافة والإعلام في ظلّ التغيرات الراهنة.
يُلاحظ أن الذكاء الاصطناعي يُحدث نقلة نوعية في مجال الصحافة والإعلام، إذ يُتيح فرصًا وتحديات. وللتكيف مع هذا الوضع، لا بد من تطوير تدريب الموارد البشرية بشكل جذري، لا يقتصر على صقل المهارات فحسب، بل يشمل أيضًا تطوير التفكير التكنولوجي، والقدرة على إدارة البيانات، وأخلاقيات المهنة. كما ينبغي أن تلعب مؤسسات التدريب دورًا رائدًا في تحديث البرامج وأساليب التدريس، وتعزيز الروابط العملية مع وكالات الصحافة والإعلام. ولن نتمكن من إتقان الذكاء الاصطناعي، والاستفادة من قوته لخدمة مصالح المجتمع، وحماية القيم الجوهرية للصحافة، إلا من خلال جيل من الصحفيين يتمتعون بخبرة راسخة، وتقنيات متطورة، وفهم عميق للسياق.
--------------------------
(1) Oxford Insights (المملكة المتحدة): تقرير "مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي الحكومي 2022" .
(2) انظر: ThinkTank VINASA: فيتنام في عصر التحول الرقمي ، دار النشر العالمية، 2022.
(3) انظر: ليو وين يونج، ديب نجون (مترجم): الذكاء الاصطناعي في العمل - ثورة شاملة في التعليم ، دار النشر الصناعية والتجارية، 2025.
(4) انظر: Túñez-López, M., Toural-Bran, C., & Valdiviezo Abad: "الأتمتة والروبوتات والخوارزميات في صناعة الأخبار. تأثير وجودة الصحافة الاصطناعية"، Revista Latina de Comunicación Social ، 2019، 74، ص 1411 - 1433
(5) نغوك لي: "الصحفي نجوين نغوك توان، رئيس تحرير صحيفة ثانه نين: العلاقة بين الصحافة والشركات هي علاقة تكافلية"، صحيفة ثانه نين، 2023 ، https://thanhnien.vn/nha-bao-nguyen-ngoc-toan-tong-bien-tap-bao-thanh-nien-moi-quan-he-giua-bao-chi-va-doanh-nghiep-la-moi-quan-he-cong-sinh-185230617194253703.htm?utm_source=chatgpt.com
(6) الدكتورة فام تي ماي لين ومجموعة من الطلاب من أكاديمية الصحافة والاتصال: نتائج استطلاع للرأي العام في إطار موضوع "تطبيق الذكاء الاصطناعي في إنشاء الأعمال الصحفية الإلكترونية في فيتنام اليوم"، 4-2025.
المصدر: https://tapchicongsan.org.vn/web/guest/nghien-cu/-/2018/1094602/intelligence-human-tao-%28ai%29-va-nhung-van-de-dat-ra-trong-dao-tao-nguon-nhan-luc-bao-chi%2C-truyen-thong-hien-nay.aspx
تعليق (0)