جدتي، ما هي القصص الخيالية؟ القصص الخيالية حكايات جميلة تتناقلها الأجيال يا عزيزتي! ما هو الصيف يا جدتي؟ لماذا تغرد حشرات السيكادا في الصيف؟ اللعنة، كيف لي أن أجيب على كل هذه الأسئلة؟
التوضيح: الإنترنت.
ربتت على رأسي وابتسمت. ابتسامتها أضاءت عينيها الخافتتين فرحًا، وبدت تجاعيد وجهها أكثر عمقًا. مضغت جوز التنبول، كاشفةً عن أسنانها السوداء. في كل مرة كنت أرى ابتسامتها، غمرني شعورٌ بالسكينة فجأةً، كما لو أن ذلك الصيف لم يكن قاسيًا هكذا من قبل.
يوم صيفي، الشمس حارقة. السماء زرقاء داكنة، مليئة بالغموض. سيمفونية آلاف من زقزقة الزيز. صيف حار، صيف صاخب، صيف مهيب. صيف حنين...
"آه آه آه أوه، آه آه أوه
النوم يطول
لم تعود والدتك من زراعة الأرز بعد.
اصطياد سمك الشبوط العشبي وسمك السلور
امسك الرقبة واسحبها إلى المنزل لإطعام الشيء النائم.
أوه أوه أوه أوه...".
في الفضاء الشاسع، تردد صدى التهويدة في العقل، مُهدئًا لاوعي الطفل البالغ. يوم صيفي مضى عليه زمن بعيد. حينها، لم يكن "الهاتف الذي يعمل باللمس" موجودًا في القاموس. كانت الأجهزة مثل الثلاجات والمراوح الكهربائية وأجهزة التلفزيون ومشغلات الكاسيت أيضًا نادرة وفاخرة. في المهد، كان الطفل نائمًا بعمق، وعلى وجهه، كان الصيف لطيفًا للغاية. بدا أنه لم يكن هناك وجود لأشعة الشمس الصيفية القاسية ومصاعب الحياة اليومية. كان الصيف هادئًا للغاية. كان هذا السلام محصورًا في المنزل البسيط ذي السقف القشي المختبئ تحت ظلال الأشجار الظليلة. كان الصيف يعج بزقزقة الطيور وزقزقة الزيز. لكن بدا أن كل شيء توقف عندما بدأت تهويدة الجدة. بجانب المهد الصغير، مع كل حركة من المهد، كانت ذراعها تلوح بمروحة الأوراق. سقط الطفل في نوم عميق وهادئ. ربما، بالنسبة لها، كان الصيف مجرد قطرات عرق على وجهها.
نشأ الطفل في أرجوحة المهد. نشأ في فصول الصيف المشمسة. كان صيفه مليئًا بأصوات حشرات السيكادا تتردد في الهواء، وترانيم اللقالق البيضاء وهي تحلق برشاقة، وصيحات الوقواق وهي تبحث عن شريكها... نشأ الطفل في ترانيم جدته وأغانيها ودفءها وحبها.
التوضيح: الإنترنت.
في الصيف الحار، كانت غالبًا ما تطبخ أطباقًا بسيطة. حفنة من سبانخ مالابار قطفتها من الحديقة وطُهت مع بعض سرطانات الحقل التي اصطادتها. أو كانت تذهب إلى الحديقة وتجمع بعض البرقوق الحامض أو المانجو وتطبخها مع السبانخ المائي لتُحضّر حساءً لذيذًا حلوًا ومنعشًا. كانت حديقتها تعجّ بالخضرة وعبير الأشجار والأوراق. كانت رائحة أزهار الكستناء تفوح في الهواء، ورائحة الجاك فروت الناضجة تُسكر. في بعض الأيام، كنت أتبعها لأقطف الجاك فروت.
جدتي! كم من الوقت تستغرق شجرة الجاك فروت لتثمر بهذا الطعم الحلو والعطر؟ عشر سنوات على الأقل يا صغيرتي. تُغرس الشجرة الصغيرة في الأرض، وتُعتنى بها، ثم تنمو، وعندما تنمو فقط تُزهر وتُثمر. الثمار الصغيرة تحتاج أيضًا إلى وقت لتنمو وتنضج لتكون بهذا العطر يا صغيرتي!
كانت هذه الأرض قاحلة وصخرية، ولكن بفضل المجارف والمعاول وقطرات العرق، انتعشت تربتها، واخضرت الأشجار، وأزهرت، وأثمرت. ولذلك يُقال إنه بجهد الإنسان، يمكن للصخور والحصى أن تتحول إلى أرز يا صغيرتي. يمر الزمن، ويسافر الناس إلى أماكن بعيدة، لكن ثمار عملهم لا تزال هنا. في مثل هذه الأوقات، أفهم أنها تفتقده.
صبغت شمس الصيف حقول الأرز باللون الأصفر. اتبعت حافة الحقل لأحصد الأرز لجدتي. كانت للحبوب الذهبية العطرة الممتلئة رائحة لا توصف. أدركت لاحقًا فقط أنها كانت رائحة الأرض والسماء والماء الممزوج بعرق الناس. خلال موسم الحصاد، طغى صوت آلة الدرس على صوت حشرات السيكادا. كان الأرز ذهبيًا في الفناء، وكان القش ذهبيًا في السكر. كانت أزهار البونسيانا الملكية حمراء زاهية في زاوية السماء. كانت السماء الزرقاء الصافية مليئة بالغيوم تنجرف ببطء. كانت ظلال الطائرات الورقية المليئة بالرياح تحلق عالياً في السماء. طائرات ورقية كان لا بد من انتزاعها خلسةً من دفاتر الطلاب، أو الأفضل من ذلك، استعارتها من بعض الصحف، ثم خلطها بدقيق التابيوكا لجعلها تلتصق. نظر الأطفال إلى الطائرات الورقية المليئة بالرياح وهي تحلق في السماء الزرقاء، وهتفوا بصوت عالٍ بسعادة. بدأت الشمس تغرب تدريجيا خلف الجبال، وتحول غروب الشمس إلى اللون الأحمر قبل أن يصبحوا على استعداد للعودة إلى منازلهم.
حكايتي الخيالية هي جدتي. (صورة توضيحية: الإنترنت).
ليل. خيّم الظلام على المجرات المتلألئة. تلاشى القمر في الفضاء. حلّقت اليراعات أسرابًا كالنجوم المتساقطة. ارتفعت حرارة النهار قائظة. لم تكن المروحة تُقارن بالحرارة. خرجتُ إلى الشرفة، واستلقيتُ على سرير الخيزران، واستنشقتُ رائحة اللوتس العطرة التي تحملها الرياح، وأصغيتُ إلى نداء الوقواق من مكان بعيد. جلست جدتي بجانبي، بشعرها الأبيض، تُلوّح بمروحة من ورق الشجر. أمضغ التنبول، وأبدأ بسرد قصص الأيام الخوالي. غفوتُ في حكايات خرافية.
في نومي المضطرب، كنتُ أشمُّ رائحتها خافتةً، كرائحة العشب والزهور والفواكه في الحديقة. بدا لي أنها رائحة الزمن، وقسوة الشمس والمطر، ووحشة القصص الخيالية. في السماء نجمةٌ أخرى، ورحلت جدتي. قالت إن الموتى يُخلّدون روحهم في نجمةٍ ساطعة، تُنير الأحياء كل ليلة.
في صيفنا الحديث، لا تزال الشمس تنشر ضوءها الذهبي في الشوارع. ولا تزال أزهار البونسيانا الملكية تتألق بلونها الأحمر الزاهي في زاوية من السماء. ولا تزال آلاف حشرات السيكادا تغرد بأغنية حب الخلق. لكن الناس يغلقون غرفهم على أنفسهم مع كل وسائل الراحة. في حياتنا العصرية، يخشى الناس الخروج في الصيف. ينأون بأنفسهم عن الطبيعة، ويستمتعون ببرودة مكيفات الهواء. كما أن الأطفال يقل تحليقهم بالطائرات الورقية، ويبقون في غرفهم، وينحصر عالمهم في هواتفهم الذكية. وبطبيعة الحال، يزداد الصيف قسوة.
تذكرتُ فجأةً صيفَ الماضي، أيامَ الماضي. أيامُ الصيفِ مع العجوزِ وهي تمضغُ التنبول، بشعرٍ أبيض، وعينيها تلمعانِ بعد ضحكةٍ عميقة. دوّى صوتُ حشراتِ الزيز، بدا وكأنه يترددُ لآلافِ السنين. كانت التهويدةُ كضبابِ الغسق. "أوي، تصبحين على خير، أوي، تهويدةُ..." من هذه ذات الشعرِ الأبيضِ والعينينِ البراقتين، التي تبتسمُ لي؟ هل هي الجنيةُ التي كنتُ أراها كثيرًا في القصصِ الخياليةِ التي كانت ترويها؟ كم تشبهُ جدتي!
ناظرًا إلى ألمع نجمة في السماء، خيل إليّ أنني أراها تبتسم. في غمرة الحنين، حلّ صيفي بكلّ عظمته وغموضه. غرس في قلبي أنشودة حبّ رنانة. أصوات الحشرات تُدندن منذ الأزل. تهويداتها، وحكاياتها الخيالية، وأطباقها التي طهتها، أصبحت الآن مجرد ذكريات قديمة خالدة في ذاكرتي.
في يوم صيفي حار، عدتُ إلى حديقة جدتي. كان الزمن قد غطى الأرض بالطحالب. وجدتُ إجابة السؤال الذي كنتُ أسأله لجدتي: جدتي، أنتِ قصتي الخيالية. والصيف هو موسم القصص الخيالية.
تران تو
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)