من منظور ملموس، تُعدّ هذه تعبيرات فنية مستوحاة من حياة المؤلف وتجاربه الإبداعية. أما غير الملموس فينبع من الإيحاءات وعمق الارتباط الذي يُحدثه الملموس.
يتألف كتاب "تكوين صداقات مع الفن" من ثلاثة أجزاء: "الفنان الروحي"، و"فن الحياة"، و"فن التهذيب". تُشبه هذه الأجزاء الثلاثة سيمفونية من الحياة اليومية، لكنها تحمل قيمًا عميقة. بدءًا من منظور الفنان المُستنير، وصولًا إلى الحياة الكاملة في الفن اليومي، وانتهاءً بمسار تهذيب إنساني.
ليس كل من يمارس الفن فنانًا، فالفنان ليس مجرد من يخلق الجمال، بل هو أيضًا من يعيشه على أكمل وجه. في عالم با غان، الفنان الحقيقي هو من يتخذ من الوعي نقطة ارتكاز، ويترك الفن ينبت بكل حب.
النقطة المميزة التي يُبرزها الكتاب هي وجهة نظر المؤلف في الفن. فالعمل الفني، حين يصل إلى النقاء، لا يعود نتاج إرادة، بل إشعاع قيم الحق والخير والجمال من داخل الإنسان.

في هذه المرحلة، لم يعد الفنان هو الموضوع الإبداعي، بل أصبح الخيط الرابط، يربط الكون والناس والوعي. لا يتصرفون كآلهة، بل يعيشون بروح مقدسة، بسيطين، نقيين، ومنفتحين على الجمال.
بالنسبة لبا غان، مسار الفنان هو رحلة تصفية ما هو غامض لكشف ما هو واضح، مما يتطلب من الفنان أن يعرف كيف يتخلى عن كل شيء، وكيف يتغلب على التفاهات ليعيش دون صراع، دون تمسك، دون أفكار مشتتة. لم يعد الفن وسيلة لترك بصمة، بل مساحة للنمو، للعيش ببصمة خاصة.
في هذه الحالة، يصبح كل عمل فني نقيًا، صادقًا، عفويًا، وبسيطًا. ولعل الفن حينئذٍ يصبح تأملًا، والفنان راهبًا في الفن.
إن وجهة نظر المؤلف في قسم "الفنان الروحي" هي أيضًا تحذير لطيف لعالم الفن الحديث، حيث تكون غرور الفنان أحيانًا أكبر من العمل نفسه، حيث يمكن للناس أن يفقدوا جوهرهم بسهولة في دائرة الضوء.
في هذا العمل، لا يتطرف المؤلف أو يحكم، بل يدعو الفنان فقط للعودة إلى نفسه، ليعيش ببساطة مثل النباتات، مثل الأنهار والمياه، بحيث يولد الفن بشكل طبيعي مثل الزهور المتفتحة، والطيور تغني: "إذا كان الذكاء هو برعم الزهرة، فإن الفكاهة هي اللحظة التي تتفتح فيها الزهرة، والتأمل هو العطر والفن هو الجمال".

إذا كان "الفنان الروحي" هو شخص يعيش بشكل كامل في مصدر الوعي والتنوير، فإن "فن الحياة" هو المكان الذي يشرق فيه هذا الوعي من خلال كل نفس، وكل خطوة، وكل طريقة حياة في الحياة اليومية.
في هذا الكتاب، لا يفصل المؤلف الفن عن الحياة. إنها فكرة أصيلة. من يعيش حياةً جميلة، بإرادة قوية، بقوة داخلية، هو الفنان. بالنسبة له، الحياة هي مادة الإبداع. كل شخص، سواء كان فنانًا أم لا، يرسم لوحته الخاصة من خلال أسلوب حياته، وحبه، ومعاناته، وشفائه.
"فن الحياة" عبارة بسيطة لكنها مؤثرة. لا تبحث عن الجمال بعيدًا، فقط عش حياةً جميلة. الجمال لا يكمن في الأشياء المعقدة أو الجليلة، بل في طريقة عيش الإنسان بامتنان، مُنصتًا للآخرين بكل قلبه.
معرفة متى تتخلى عن كل شيء فن، ومعرفة متى تحافظ على هدوئك في خضم العاصفة فن، ومعرفة متى تكون لطيفًا هو أنقى الفنون. لا يكتب با غان ليُعلّم كيف يعيش، بل يكتب كشخص مرّ بالعديد من التقلبات، وواجه الكثير من الشدائد، والآن يقترح بلطف: يمكنك أن تعيش كشخص مبدع، دون أن تصبح فنانًا، فقط أنر حياتك كشمعة، بما يكفي لإضاءة دواخلنا، بما يكفي لتدفئة من حولنا.
"فن الحياة" يُساعد كتاب "تكوين صداقات مع الفن" على ألا يكون عملاً فنياً فحسب، بل يُصبح انسجاماً بين الفن والحياة. بحيث يُمكن لكل قارئ، سواءً كان فناناً أم لا، المشاركة، فالفن أو الحياة في النهاية هدفهما الجمال.
الحياة نهرٌ جارفٌ بلا نهاية، و"فن التعلم" هو فنّ التجديف بقاربٍ في تلك المياه بحبٍّ. في الجزء الثالث من الكتاب، يأخذ المؤلف القارئَ برفقٍ إلى فضاءٍ من الحياة اليومية، حيثُ تُصبح كلُّ كلمةٍ، وكلُّ نفسٍ، وكلُّ خطوةٍ، وكلُّ نظرةٍ تأملًا.
بعيدًا عن العقائد الجامدة، لم تعد الممارسة رحلةً شاقةً للوصول إلى الذات، بل عودةٌ إلى الذات الحقيقية فينا. وهنا لا يكون التأمل في وضعية التأمل، بل في طريقة أداء مهامك اليومية.
يُشدد المؤلف على أمرٍ إنسانيٍّ بحت: الممارسة ليست أن تُصبح بوذا، بل أن تُصبح، قبل كل شيء، إنسانًا طيبًا، يعرف كيف يُحب، ويعيش ببساطة وسعادة. الممارسة هي فنّ العيش بنقاء، وليست مجرد أداء روحي. هذا عندما لا يُكثر الممارس من الحديث عن الدين، بل يعيش وفقًا له من خلال أفعالٍ مليئة بالفهم والرحمة.
لن تجد في هذا الفصل تعليمات صوفية أو مصطلحات باطنية، بل ستجد بدلاً من ذلك ملاحظات دقيقة عن الحياة: "إن تناول الطعام النقي، والتحدث بالطعام النقي، والعمل بالطعام النقي... هو تزيين رسمي لعالم بوذا"، أو "عندما تصل إلى حالة الطاقة، ستظهر ابتسامة صامتة على شفتيك، دون الحاجة إلى الفرح".
كل كلمة بمثابة دعوة لنا لننظر إلى أنفسنا، بهدوء وعمق. "فن التعلم" كالهمسة في زحمة الحياة. لا يحتاج الناس إلى الدعاء، بل يعيشون بكل حب وحرية وراحة، وعندها لن يعود التعلم مفهومًا بعيدًا، بل يصبح حاضرًا في كل لحظة.
"التواصل مع الفن" رحلةٌ هادئةٌ وعميقةٌ في أعماق النفس البشرية. بأسلوب كتابةٍ بسيطٍ وتفكيرٍ إبداعي، يفتح با غان آفاقًا جديدةً للحياة، حيث يتناغم الفن والتأمل والحياة.
هناك، لم يعد الفنان واقفًا على منبرٍ عالٍ، بل هو من يستمع بهدوءٍ إلى همسات الحياة اليومية. الإبداع لا ينبع من الإرادة، بل من دقة كل لحظة. الفنان، في رأيه، لا يُبدع الفن، بل يعيش فيه. يدعو الكتاب القراء إلى دخول حالةٍ من الحياة الفنية، بأفعالٍ جماليةٍ عميقة.
كتب المؤلف هذا الكتاب بحبٍّ للفن، وفهمٍ للوعي والتأمل، وأسلوب كتابة هادئ، وشغفٍ بالإبداع. يُذكرنا العمل بصمتٍ بأن هناك جمالًا لا يزال موجودًا فينا، ومن حولنا. الفن هو أن نُدرك هذا الجمال، ونعيشه، ونُبدع به.
المصدر: https://nhandan.vn/lam-ban-voi-nghe-thuat-cuon-sach-goi-chieu-sau-lien-tuong-post897547.html
تعليق (0)