منذ ولادتي، لم أُتح لي فرصة معرفة من هو أبي، أو شكل وجهه، أو ابتسامته، أو صوته الدافئ أم الهادئ. في ذكريات طفولتي، لم أجد صورة رجل يمسك بيدي في الصف، ولا ذراعين قويتين تُواسيني عندما أسقط. كان هناك فراغ، هدوء، صمت، ولكنه كافٍ ليجعلني أشعر دائمًا أنني أفتقد نصفًا حنونًا.
أنا لستُ غاضبًا منك، ولا ألومك. فكيف ألوم شخصًا لم ألتقِ به قط؟ إنما أحيانًا، في أحلامي، أتمنى لو أستطيع أن أنادي "أبي!" ولو لمرة، كلمة واحدة تكفي، لأعرف إن كان هذا الشعور حلوًا أم مؤلمًا.
أمي اهتمت بي وربتني وأحبتني من كل قلبها. لكنني أعلم، في أعماقي، أنها بكت أيضًا، في صمت، عندما رأتني أكبر بدون أبي. كلما فهمتُ هذا الألم، ازداد حبي لأمي، وازداد شوقًا لمعرفة من هو أبي، شخصًا حقيقيًا، ليس مجرد اسم أو وجه غامض في خيالي.
أتذكر، عندما كنت صغيرًا، سألت أمي ذات مرة: "كيف حال أبي، ماذا يعمل، أين هو الآن يا أمي؟". لم تُجب أمي، فقط نظرت إليّ والتزمت الصمت. هناك أمورٌ لا يفهمها إلا الكبار، وهناك جوانب خفية لا تستطيع أمي البوح بها. شعرتُ بعيني أمي تدمعان. كانت عيناها حزينتين للغاية، كما لو كانت تحاول إخفاء ألمها، وتعتذر لي في صمت عن الخسائر التي تحملتها. أدركتُ مدى قوة أمي في تحمل كل حب أبي لي. لكن تلك النظرة أيضًا هي ما أحزنني، لأنني كنت أعرف، في أعماق قلب أمي، أن هناك دائمًا فراغًا، فراغ الرجل الذي كان كل شيء بالنسبة لها، الرجل الذي لم أناديه يومًا "أبي".
ثم، مع مرور الوقت، اعتدتُ تدريجيًا على حياةٍ مع أمي فقط، بلا أب. نشأتُ في أحضان أمي الحنونة والحاميّة، في عائلةٍ صغيرةٍ غير مكتملة. و... في إحدى المرات "نسيتُ" أن لي أبًا في هذا العالم أيضًا.
بينما أجلس هنا أكتب هذه السطور، تتدفق عليّ ذكريات طفولتي فجأة. أتذكر الأيام الخوالي عندما كان أصدقائي يسخرون مني ببراءة: "أنت طفل بلا أب". في ذلك الوقت، كنت أصغر من أن أفهم معنى الشعور بالنقص أو الخجل أو الإحراج. تجاهلتُ تلك الكلمات المهينة بهدوء، وواصلتُ التعلم والنمو بما تعلمته.
مع مرور الوقت، وتحت رعاية أمي وتوجيهها، نضجتُ تدريجيًا. أنهيتُ دراستي الجامعية، وتزوجتُ، وأنجبتُ طفلين صالحين. أنا سعيدٌ بأسرتي الصغيرة ووظيفتي الحالية، حياةٌ تبدو مكتملة. لكن في أعماق قلبي، أتوقُ دائمًا لرؤية أبي ولو لمرة، لأعرف من هو، هل لا يزال بصحة جيدة أم متقدمًا في السن، أين هو وماذا يفعل؟ كيف يبدو وجهه، كيف يبدو صوته... لم أعرفه قط. أتمنى، ولو لمرة واحدة، أن "أُثبت" لأقراني أنني أيضًا لديّ أبٌ كأي شخصٍ آخر. كل ما أتمناه هو أن أعرف أن أبي لا يزال على قيد الحياة - حتى لو كان في مكانٍ بعيد، لأبتسم بسعادةٍ وأقول الكلمتين: "أبي...".
الآن وقد كبرت، لا أتمنى شيئًا بعيدًا. كل ما في الأمر أنني، في أعماق قلبي، ما زلت أحتفظ بركن صغير لنفسي، لأتذكر والدي كشيء لم يكن موجودًا قط ولكنه لم يختفِ أبدًا. كما لو كان والدي موجودًا دائمًا... في مساحة من الذاكرة لم ألمسها قط.
أن أن
المصدر: https://baodongnai.com.vn/van-hoa/chao-nhe-yeu-thuong/202508/khoang-trong-mang-ten-cha-42812e6/
تعليق (0)