خلال الحرب ضد الغزاة الأمريكيين، تألقت أرض هام رونغ وشعبها بتقاليدهم البطولية الراسخة، فأصبحوا رمزًا ثقافيًا مميزًا للمنطقة، مما أغنى الهوية الوطنية. في بلدنا، قلّما نجد جسورًا ذُكرت في الشعر بقدر جسر هام رونغ: "نهر أوه ما، يحتضن ضفتاه ظلال الجبال، جبل نغوك، وجبل التنين الأخضر عند الأفق" (جسر نهر ما) للموسيقي لي شوان ثو. وفي إطار هذه المقالة، أود الإشارة إلى قصيدة "جسر النصر" للشاعر مينه تو.
جسر هام رونغ - نهر ما. الصورة: PV
في 3 و4 أبريل/نيسان 1965، دخلت هام رونغ التاريخَ البطولي للأمة. يرتبط نهر ما وهام رونغ بالعديد من القصص والأساطير العجيبة. أسقط جنود هام رونغ وشعبها العديد من الطائرات التي تُعرف بـ"آلهة الرعد" و"الأشباح" و"قطاع الطرق السماويين". أراد الغزاة الأمريكيون "إعادتنا إلى العصر الحجري"، فاختاروا هام رونغ "نقطة اختناق مثالية"، لكن طموحاتهم دُفنت في نهر ما.
عند إعادة قراءة قصيدة "جسر النصر"، حتى يتمكن كل منا من استعادة كرامة جيشنا وشعبنا في الفترة البطولية من تاريخ وطننا، تظهر صورة قرية ثانه بسيطة وحقيقية، وكأنها لحن مهيب ومرتفع.
في بداية القصيدة كتب: "الجسر/ الذي يربط بين طرفي الجنوب والشمال/ ثابت ومخلص/ الحرب تحدد الوقت/ الرصاص والقنابل الشرسة/ نهر ما - هام رونغ/ ليس ترونغ سون/ الجبال والتلال/ فقط النهر يعود بكل إخلاص إلى البحر".
كان أسلوبه في الاختصار والأفكار الخفية، مُوحيًا فحسب، ولكنه لم يُعبّر عنه بشغف كما في قصائد أخرى كتبها سابقًا. وقد كشفت قصيدة "جسر النصر" عن هذا البحث، وحققت بعض النجاح.
لعلّ هام رونغ يُجمّل روح الشعر، ويُثري الحياة الروحية للأدباء. وحيوية الجسر الخالدة العجيبة تُثير قلوب البشرية جمعاء. وسط عواصف القنابل والرصاص، لا يزال جسر هام رونغ شامخًا، ينعكس بسلام على نهر ما الصافي، مُزيّنًا جلال جبل التنين ونهر ما العريق، والأبيات البطولية المُترنّمة: "فقط النهر يعود إلى البحر بقلبٍ مُخلص/ والجنود/ مُتجهين جنوبًا/ في القلب أنشودة الوطن الأم".
الشعر فنٌّ للتعبير عن المشاعر باستخدام اللغة والإيقاع. بالعودة إلى الأبيات الأولى، أشعرُ أنه في خضمّ الألم المفاجئ، تبرزُ أبياتٌ لا شعورية: "الجسر/ يربط طرفي الجنوب والشمال/ ثابتٌ ومخلص/ يُقصف بعنف/ نهر ما هام رونغ/ ليس نهر ترونغ سون/ الجبال والتلال تتداخل/ لا يوجد سوى النهر عائدًا بكامل إرادته إلى البحر/ والجنود/ متجهين مباشرةً نحو الجنوب/ أنشودة الوطن الأمّ في القلب".
بأسلوبه البسيط والناعم في الكتابة واستخدامه للألفاظ في قصائده، تُصبح قصائده قريبةً و"منسجمة" بسهولة مع قلوب قرائه وهمومهم. هذه العملية الإبداعية بالغة الأهمية في الشعر. لا يمكن للقصيدة أن تعيش حياتها وتُؤدي وظيفتها الأدبية بحق إلا عندما يرافقها القارئ ويفهمها ويشارك في إبداعها.
هام رونغ - ما أفخر هذا المكان! ليس أن الشاعر تعمد إثارة مشاعرنا، بل ببساطة، أعتقد أنه عند كتابة هذه الأبيات، كانت عينا الشاعر تغشى بصمت. ما إن تولد المشاعر الصادقة من قلب الشاعر، حتى يسهل إدراك أنها تنتشر وتلامس قلوبًا كثيرة. إيقاع القصيدة مفاجئ، خانق، من كلمتين، ثلاث كلمات، متقطع... ثم تأتي أبيات موحية: "فقط النهر يعود إلى البحر بقلبٍ كامل/ والجنود/ يتجهون جنوبًا/ يصدح في القلب أنشودة الوطن".
بأسلوب شعري سردي، تتسم الكلمات بالجدية والمسؤولية، كجنود يخوضون المعركة. يُقال إنها سردية، لكنها لا تفتقر إلى الرقي والشاعرية، أو بالأحرى، تحمل أفكارًا تُثير حماس المشاهد وتدفعه للتفكير. النبرة الشعرية بطولية وعاطفية. يتجلى في العمل رغبةٌ في السلام ومسؤوليةٌ مقدسةٌ للشباب تجاه مصير الوطن، الذي ساعد الناس على تجاوز كل الصعاب وتحقيق النصر.
عند قراءة قصائده، ينجذب الناس بسهولة لأسلوبه في الكلام، ولطريقة توليد الأفكار، وتكرارها، وتكرار الجمل. بأسلوبه الطبيعي والقوي، يبتكر مينه تو أسلوبًا شعريًا فريدًا من نوعه، يجمع بين العواطف واللغة والنبرة. وقد علّق الكثيرون على ذلك قائلين: إن قصائده تحمل روحًا شعرية ناضجة، ومفردات غنية، وعالمًا متعدد الأوجه من الصور...
إن التضحيات والخسائر في الحرب لا تُعوّض ولا تُنسى، لكن إحياء الحياة في زمن السلم لا يُقاوم. يحمل الجنود العائدون من ساحة المعركة معهم تطلعاتٍ كثيرة نحو السعادة: "مسقط رأسي، مسقط رأسك/ أماكنٌ أصبحت أسطورية/ تحوّل العديد من الشباب والشابات/ إلى بلدٍ مسالم". إنه يعرف كيف يعتمد على العواطف. ومن عواطف القصيدة، تتجدد طريقة الكلام، مُحدثةً تأثيراتٍ غير متوقعة: "يأتي الربيع، مُلْبِسًا الحرب/ أنت وأنا نتكاتف للبناء". من خلال قصيدة "جسر الحرب"، يشرح المؤلف الحركة والتكيفات والتغيرات في موطن هام رونغ، أرض النار، نحو الجديد في رحلته الإبداعية. هذه ليست أمنيةً جوفاء، بل عبّر عنها المؤلف بأفعالٍ ملموسة: "يأتي الربيع، مُلْبِسًا الحرب/ أنت وأنا نتكاتف للبناء/ تنبت براعم خضراء لحياةٍ سلمية".
هذه قصيدة مستقلة، كلماتها جادة ومسؤولة كجندي يخوض معركة، سواءً في زمن السلم أو الحرب، قصيدته أكثر معنى ومسؤولية تجاه الحياة. وهذا أيضًا تحضير دقيق لنهاية القصيدة: "العودة إلى هنا مليئة بالمعنى والحب/ الطمي الخصب للنهر الشعري/ ظل الجبل، الجسر المهيب/ المأثرة البطولية/ تبقى خالدة مع الزمن".
عند قراءة قصائده، نشعر بحبٍّ لجذورنا الممتدة. ففي ذهن الكاتب، جسر هام رونغ ليس مجرد بقعة خلابة في أرض ثانه، بل هو أيضًا رمزٌ للنصر. "مسقط رأسك، مسقط رأسي/ أماكن أصبحت أساطير/ تحوّل العديد من الشباب والشابات/ ينعم الوطن بالسلام/ يأتي الربيع، ليملئ فراغ الحرب/ أنا وأنت نتكاتف للبناء/ تنبت براعم خضراء لحياةٍ سلمية".
مرّت السنين، ولا يزال جسر هام رونغ شامخًا، منحوتًا بجلال في الجبل، رمزًا متألقًا لوطنية الشعب الفيتنامي وثورته. أرض هام رونغ، زمنٌ من نارٍ ودخانٍ مؤلمين، عرفنا فيه قيمة كل لحظة سلامٍ عوضت بخسائرَ كثيرة، تتغير يومًا بعد يوم. في نهاية القصيدة، يبدو وكأننا نسمع نهر ما يهمس بذكريات أرضٍ عريقة، حيث كل شبرٍ منها شبرٌ من التاريخ متشابك، في تناغمٍ بين الماضي والحاضر، بين الحزن المتألق والرغبة في النهوض: "العودة إلى هذا المكان مليئةٌ بالمعنى والحب/ التربة الطميية الخصبة للنهر الشاعري/ ظل الجبل، الجسر المهيب/ المأثرة البطولية/ محفوظةٌ إلى الأبد مع مرور الزمن".
هام رونغ، مكانٌ خلّده التاريخ كأروع صفحات حرب المقاومة الوطنية ضد الغزاة الأجانب. ولا يقتصر أثر هام رونغ الأدبي على الحفاظ على صورة رمز ثقافي وتاريخي مميز للمنطقة فحسب، بل يُخلّد أيضًا ذكرى بطولية للبلاد ولشعب هام رونغ في ثانه هوا تحديدًا، وللشعب الفيتنامي عمومًا. وحتى اليوم، لا تزال هام رونغ شامخة خالدة على امتداد التاريخ الوطني كرمز خالد.
يُقال إن للطفولة والذكريات تأثيرًا عميقًا على روح الإنسان وهدفه في الحياة. ويتجلى هذا بشكل أكبر في الإبداع الأدبي والفني، إذ يؤثر بعمق وقوة على عالم الفنان العاطفي وصورته الجمالية. ويتجلى هذا بشكل خاص في قصيدة الشاعر مينه تو.
سلالة القمر
مصدر
تعليق (0)