في 30 مايو، كشفت الصين عن تقنية ذكاء اصطناعي رائدة تُمكّنها من تمييز الرؤوس الحربية النووية الحقيقية عن الرؤوس الوهمية دون الحاجة إلى الوصول المباشر أو الكشف عن التصاميم السرية للأسلحة. ويُعدّ هذا النظام الأول من نوعه في العالم الذي يحقق هذه القدرة، وقد طوّره معهد الصين للطاقة الذرية (CIAE)، التابع للمؤسسة الوطنية الصينية للطاقة النووية (CNNC).
لا تُمثل هذه التقنية نقطة تحول في مجال الحد من الأسلحة النووية فحسب، بل تُثير أيضًا نقاشات عميقة حول دور الذكاء الاصطناعي في الأمن العالمي. تُحلل هذه المقالة آلية عمل النظام، وتداعياته الاستراتيجية، والاستجابة الدولية.
كيف يعمل الذكاء الاصطناعي للتحقق من الرؤوس الحربية النووية
وبحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست"، يستخدم نظام الذكاء الاصطناعي هذا بروتوكول تحقق متعدد الطبقات، يجمع بين الفيزياء النووية والتشفير التفاعلي، لتحديد ما إذا كان الجسم المشتبه به هو رأس حربي نووي حقيقي.

تُوضع طبقة من البولي إيثيلين (PE) بين الذكاء الاصطناعي والجسم المراد فحصه، لتعمل كدرع وعائق لإشعاعات النيوترونات وجاما المميزة. ثم تُحلل البيانات المُجمعة بواسطة شبكة تعلم عميق مُدربة على ملايين عمليات المحاكاة لمواد نووية مختلفة، بما في ذلك اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة وبدائل مثل الرصاص أو اليورانيوم منخفض التخصيب.
ومن الجدير بالذكر أن العملية برمتها تمت دون الوصول المباشر إلى الأسلحة أو تبادل معلومات التصميم، وهو شرط أساسي في مفاوضات الحد من الأسلحة لحماية الأسرار العسكرية .

الأهمية الاستراتيجية
إن تطوير نظام قادر على التحقق من الرؤوس الحربية دون تسريب بيانات حساسة يفتح اتجاهاً جديداً لآليات ضبط الأسلحة، التي توقفت بسبب انعدام الثقة بين القوى النووية.
مع توسع الصين السريع في ترسانتها النووية - من حوالي 500 رأس حربي عام 2024 إلى أكثر من 1000 رأس بحلول عام 2030، وفقًا لتقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية - قد تساعد هذه التقنية بكين على إظهار استعدادها للشفافية، مع تعزيز مصداقية رادعها. وإذا ما تم اعتمادها على نطاق واسع، فقد تُحفّز جيلًا جديدًا من معاهدات الحد من الأسلحة، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دور الوسيط بدلًا من دور المراقب التقليدي.
وعلاوة على ذلك، في حالات القتال، تساعد القدرة على التمييز بين الرؤوس الحربية الحقيقية والمزيفة على تحسين فعالية الاعتراض وتقليل خطر التعرض للخداع من خلال تكتيكات "التضليل".
روسيا تراقب بحذر وربما تشعر بالقلق، والولايات المتحدة تشعر بالقلق، والعالم يراقب
رغم عدم صدور أي إعلان رسمي، أبدت مصادر إعلامية روسية، مثل ريا نوفوستي وتاس وiXBT، اهتمامًا كبيرًا بهذا التطور. وبينما تناولت وسائل الإعلام الروسية الموضوعية إلى حد كبير، تساءلت منتديات عسكرية، مثل VOZ، عن قدرة هذا الذكاء الاصطناعي على استهداف الرؤوس الحربية الروسية، نظرًا لأن الولايات المتحدة - المنافس الرئيسي للصين - لا تستخدم سوى القليل جدًا من أدوات التضليل في تصميم رؤوسها الحربية.
في غضون ذلك، تُكثّف روسيا أيضًا تحديث قوتها النووية، بنشر صواريخ يارس، وتطوير أنظمة دفاع صاروخي عالية الارتفاع مثل إس-550. وقد يدفع التقدم الصيني في مجال التحقق من الرؤوس الحربية المُزوّدة بالذكاء الاصطناعي موسكو إلى إعادة تقييم استراتيجياتها في الردع والدفاع، لا سيما في حال نشوب أزمة نووية متعددة الأطراف.
حذّرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية مرارًا وتكرارًا من وتيرة التحديث النووي الصيني. فبالإضافة إلى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، مثل DF-41، بنت بكين أيضًا مئات الصوامع الجديدة في المناطق الصحراوية، مُظهرةً بذلك طموحها في أن تصبح قوة نووية عظمى بقدرات ردع تُضاهي الولايات المتحدة وروسيا.
أثارت إضافة نظام التحقق من الرؤوس الحربية بالذكاء الاصطناعي إلى الاستراتيجية النووية توقعاتٍ وحذرًا لدى المحللين الدوليين. هناك أملٌ في أن تُنشئ هذه التقنية آلية تحقق موضوعية، إلا أن هناك أيضًا مخاوف بشأن التسليح المحتمل للذكاء الاصطناعي والمخاطر الأخلاقية المترتبة على تفويض قرارات الحياة أو الموت إلى الآلات.
التحديات القائمة
على الرغم من إمكاناتها الكبيرة، لا تزال تقنية الذكاء الاصطناعي للتحقق من الرؤوس الحربية في الصين تواجه العديد من التحديات.
حاليًا، يعمل النظام فقط على المحاكاة الرقمية دون التحقق من صحتها عمليًا. يتطلب التطبيق العملي اختبارات متعددة الأطراف واعترافًا دوليًا.
وحتى لو لم يجمع النظام تصاميم الرؤوس الحربية، فإن الأطراف الأخرى قد تظل متشككة بشأن إمكانية إصابة الذكاء الاصطناعي أو إساءة استخدامه.
ومع تزايد مشاركة الذكاء الاصطناعي في القرارات الاستراتيجية ــ مثل تقييم ما إذا كان الرأس الحربي حقيقيا أم مزيفاً ــ أصبحت أسئلة السيطرة البشرية والمسؤولية القانونية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
يُعد إعلان الصين عن تقنية الذكاء الاصطناعي للتحقق من الرؤوس الحربية النووية إنجازًا هامًا في دمج الذكاء الاصطناعي في الأمن العالمي. إذا ثبتت فعاليتها واعتمدت على نطاق واسع، فلن تُغير هذه التقنية نهج ضبط الأسلحة فحسب، بل ستُرسي أيضًا معيارًا جديدًا للردع الذكي في العصر الرقمي.
ومع ذلك، مع المخاطر المحتملة التي تهدد الأمن والشفافية والأخلاق، يتعين على المجتمع الدولي أن يراقب عن كثب وأن يبني آليات التحكم في الذكاء الاصطناعي المناسبة، قبل أن تصبح هذه التكنولوجيا سلاحا ذا حدين في المشهد الجيوسياسي العالمي.

المصدر: https://vietnamnet.vn/trung-quoc-cong-bo-he-thong-ai-nhan-dien-hat-nhan-nga-my-ngoi-tren-dong-lua-2406724.html
تعليق (0)