لم تكن رحلة اكتشاف إحدى آخر قبائل رعاة الرنة الرحل في العالم سهلة، لكنها كانت تجربة لا تُنسى بالنسبة لي. من أولان باتور، عاصمة منغوليا، استعدينا بعناية، من أمتعة وطعام وأدوية، قبل دخول السهوب الشاسعة.
الرنة معتادة على المناخات الباردة، لذا يضطر الرعاة إلى التنقل باستمرار في غابة التايغا الشاسعة. حاول الدليل الاتصال بهم باستمرار لمعرفة وجهتهم.
باستثناء الطرق السريعة التي تربط المدن الكبرى، تفتقر معظم القرى والمناطق السكنية إلى طرق أو اتجاهات. يقود السائقون سياراتهم مباشرةً نحو السهوب، معتمدين على خبراتهم وذاكرتهم للعثور على وجهتهم.
بعد أكثر من ١٢٠٠ كيلومتر، وصلنا أخيرًا إلى محمية غابات التايغا في وادي دارخاد الشاسع. أرضٌ جميلة، لكنها في الوقت نفسه قاسية للغاية، تفتقر إلى كل شيء من كهرباء وماء وغذاء. معظم العائلات التي تعيش هنا تعتمد على نفسها في تربية مواشيها.
كان علينا التسجيل مُسبقًا في المحمية، ثم التوغل في عمق الوادي للقاء عائلة الفارس التي تُربي الخيول وتُروّضها. للوصول إلى أعماق الغابة، إلى رعاة الرنة، لم يكن بإمكاننا السفر إلا على ظهور الخيل.
استغرقت المجموعة ساعة كاملة لارتداء معدات الحماية والتعرف على الخيول. ورغم أنها كانت مروضة، إلا أن المرشدين والفرسان كانوا حذرين للغاية، مذكرين إيانا دائمًا بكيفية إمساك اللجام أو حث الخيول على الحركة. ولضمان السلامة، كان هناك، بالإضافة إلى مرشدينا الاثنين، اثنان من أفراد عائلة الفارس لضمان سلامة المجموعة بأكملها.
مع أنني كنت متوترًا بعض الشيء في البداية عندما ركبتُ الحصان، إلا أن الخيول المُروّضة ذكية جدًا. غالبًا ما تجد أكثر الطرق أمانًا للسير. مهمتنا الرئيسية هي التحكم بالخيول لتتبع المجموعة بالسرعة المناسبة، وتجنب محاولة الركض بها أو دفعها للأمام عند مواجهة مناطق صعبة كالجداول أو المستنقعات أو المرتفعات الشديدة.
مناظر طبيعية خلابة في محمية غابات التايغا في وادي دارخاد. (تصوير: توان داو)
تغيّر المشهد أثناء ركوبنا، من المراعي والسهول إلى الجداول والمستنقعات والغابات الشاسعة. ولأول مرة في رحلتنا، شعرنا بهذا القدر من الحماس والشغف والتوتر.
كانت هناك جداول عميقة وجافة، لا تزال الخيول تمشي فيها بهدوء، أو مستنقعات يصل عمقها إلى متر تقريبًا، لا تزال تمشي فيها بفخر. كانت هناك منحدرات شديدة الانحدار وزلقة، لكنها بطريقة ما، لا تزال قادرة على التقدم نحو راحتنا.
واصلنا السير على هذا المنوال لست ساعات. عندما بدأت أشعر بالتعب والإرهاق من الرحلة الطويلة في أعماق الغابة، ظهرت أمام عينيّ أرضٌ شاسعة، بحيرة زرقاء صافية في وسط الغابة، وفي الأفق بدت الجبال المكللة بالثلوج. على الجانب الآخر من البحيرة، كان هناك كوخان متوضعان في الغابة. عرفنا أننا وصلنا. لقد أثمرت رحلة اتباع رعاة الرنة الرحل.
في هذه الغابة، لا يعيش سوى حوالي 50 عائلة من قبيلة تساتان، آخر قبيلة في منغوليا تُربي الرنة، حيث يبلغ عددهم حوالي 3000 حيوان، موزعين على جبلي التايغا الشرقية والغربية. يفتقرون إلى كل شيء، لا كهرباء، ولا مياه جارية، ولا خدمات، ولا تعليم لأطفالهم.
لا بد أنهم يحبون الرنة والحياة البدوية ليتمكنوا من البقاء هنا. يعيشون يوميًا في البرية، وينامون في خيام صغيرة مع بعض أغراضهم الشخصية البسيطة.
حياة البدو الرحل دائمة الترحال، والطقس البارد يُصعّب عليهم زراعة المحاصيل أو إيجاد مصادر أخرى للغذاء. يعتمد كل شيء تقريبًا على الرنة.
الرعي أيضًا عمل شاق، وحتى أصغر خطأ قد تكون له عواقب وخيمة. في الشتاء الماضي، فقدوا العشرات من غزلان الرنة في انهيار جليدي. حاولت الحكومة دعم العائلات ببعض المال لمساعدتهم على تدبير أمورهم، وللحفاظ على هذه المهنة التقليدية التي تعود إلى ألف عام.
دُعينا إلى الخيمة، وقدّمت لنا عائلة بايانمونخ، رعاة الرنة، حليب الرنة والخبز المنزلي. وعلى الموقد، وُضعت شرائح لحم الضأن المجففة، التي كانت طعامهم اليومي.
لا يوجد في الخيمة سوى صندوق خشبي واحد أو صندوقين، وبعض البطانيات، وبعض الأواني، وبعض الأغراض الشخصية الضرورية لتسهيل حملها أثناء التنقل. أما بالنسبة للكهرباء، فيضطرون لاستخدام الطاقة الشمسية لشحن البطاريات، وإذا أرادوا الاتصال بالعالم الخارجي، فعليهم تعليق هوائي على شجرة عالية.
قطيع من الرنة يتجول ويرعى في الغابة. (تصوير: توان داو)
بينما كنت أستمتع بحليب الرنة، أشار لي المرشد السياحي بالخروج من الخيمة، وأشار إلى غابة قريبة. تأملتُ عن كثب، فأدركتُ أن أمامي غزالًا بفراء أبيض كالثلج يرعى تحت شمس الظهيرة.
تبعه غزال آخر بفرائه الرمادي الداكن، يقترب هو الآخر، بقرونه الصلبة المميزة المغطاة بالمخمل. كان مشهدًا بديعًا أذهلنا جميعًا. وهكذا، تحققت أكبر أمنية في الرحلة. اختفى كل التعب والهموم، ولم يبقَ سوى الفرح والسعادة.
راقبنا الرنة بهدوء وهي ترعى في الغابة، حتى قادتنا فتاة منغولية خلف الخيمة. كان هناك عجل رنة حديث الولادة، أبيض ناصع، بلا قرون. كانت مهمتها رعاية العجل.
في نهاية اليوم، لعبتُ مع الأطفال مع المجموعة. كانوا أبرياء ولطيفين، بخدودهم الحمراء من البرد، يلعبون رمي الكرة، رغم أنها كانت مخيطة وممزقة. لم تمنع مصاعب الحياة الأطفال من السعادة.
كان الظلام يحلّ والحرارة تنخفض. رتّبت عائلة بايانمونخ للمجموعة المبيت في الخيمة الثالثة التي نصبوها سابقًا.
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)