
وتظل الصحافة قناة مهمة لإيصال المعلومات الدقيقة وفي الوقت المناسب إلى الناس.
التنبؤ بعوامل "الضوضاء" و"التغذية الراجعة"
يجب أن تهدف جميع السياسات إلى الوضوح والشفافية، ليتمكن الناس من الاطلاع عليها ومناقشتها والعمل بها وفحصها والإشراف عليها والاستفادة منها. ولتحقيق ذلك بفعالية، لا يقتصر التواصل بشأن السياسات على إيصالها إلى الناس فحسب، بل يجب تعميمها مبكرًا، منذ صياغة مسودة السياسة، وتلقي الملاحظات، حتى يتسنى إقرارها من قِبل غالبية الجمهور عند إصدارها، ووضعها موضع التنفيذ.
كيف يمكن زيادة فعالية التواصل السياسي ليكون له تأثير عميق، ولتغيير وعي وسلوك الفئة العامة التي تستهدفها السياسة؟
إن الفهم والوعي الصحيح لنموذج الاتصال وعناصر عملية الاتصال السياسي سيساعد جميع الوكالات، بما في ذلك الصحافة، المسؤولة عن الاتصال السياسي على أداء مهامها بشكل جيد.
في العالم ، يتم وصف نموذج الاتصال الحديث المستخدم على نطاق واسع اليوم على النحو التالي:

وهكذا تبدأ المعلومة من المصدر (موضوع الاتصال)، وبعد تشفير الرسالة يتم نقلها عبر قنوات الاتصال، ثم فك تشفير الرسالة ووصولها إلى مستقبل الرسالة.
حيث: S (المصدر) هو مصدر (المرسل) للرسالة؛ M (الرسالة) هي الرسالة؛ C (القناة) هي قناة الاتصال؛ R (المستقبل) هو المستقبل؛ E (التأثير): التأثير.
ولكن هذه العملية الاتصالية ليست أحادية الاتجاه فحسب، بل إنها تحتوي على عنصر "الضوضاء" في عملية انتقال المعلومات من المصدر إلى المستقبل، وعند الاستقبال، سيكون لدى المستقبل ردود فعل.
يؤكد هذا الوصف أن الاتصال هو عملية تبادل معلومات في اتجاهين، وتتم دائما في سياق علاقات تفاعلية بين الأفراد، مع رفض وجهة النظر القائلة بالتأثير المطلق للاتصال على المتلقي.
مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي اليوم، أصبح عامل "الضجيج" الذي طرحه منظّرو الإعلام قبل عقود عاملًا رئيسيًا لا يمكن تجاهله، بل يلعب دورًا في تغيير المفاهيم في عملية تلقي الإعلام. وهذا يُشكّل تحديات كبيرة للتواصل السياسي، وليس مجرد تقارير أحادية الاتجاه، إذ يُمكن من خلال الإنصات وتلقي آراء الجمهور بناء سياسات مُلائمة للحياة.
التواصل السياسي الموضوعي ومتعدد الأبعاد
تُعدّ شبكات التواصل الاجتماعي منصةً تعكس عملية استقبال السياسات (وخاصةً مسوداتها) بشكلٍ أسرع وأكثر حساسية. كما أن عنصر "التشويش" في عملية التواصل السياسي على هذه الشبكات أكثر وضوحًا. كما تُعدّ هذه الشبكات منصةً تنتشر فيها معلومات "التغذية الراجعة" بسرعةٍ كبيرة، مما يؤثر على صانعي السياسات.
بنفس الخصائص، تُعدّ شبكات التواصل الاجتماعي المكان الذي تُشوّه فيه عملية التواصل وتُشوّهها، بل وتُساء فهمها في كثير من الأحيان. ناهيك عن العناصر المتطرفة والهدّامة والرجعية على هذه الشبكات، والتي تؤثر على تصورات الكثيرين في عملية تلقي السياسات. وبالنظر إلى نظرية نماذج التواصل، يتضح جليًا ضرورة ضمان جميع خطوات عملية التواصل ثنائي الاتجاه، لضمان فعالية وفعالية التواصل السياسي. وعلى وجه الخصوص، من الضروري التنبؤ بعوامل "التشويش" و"التغذية الراجعة" والاهتمام بها عن كثب.
مع أن الواقع الراهن يُظهر في كثير من الحالات فعالية التواصل السياسي عبر منصات التواصل الاجتماعي. تُناقَش العديد من السياسات ديمقراطيًا عبر هذه المنصات، وتصل إلى المتلقين بسهولة أكبر. وقد ساعدت بعض السياسات، بفضل عملية التغذية الراجعة والنقد عبرها، صانعي السياسات على تعديلها لتتناسب مع متطلبات الحياة وواقعها.
ومع ذلك، وكما ذُكر سابقًا، فإنّ التواصل السياسي عبر قنوات التواصل الاجتماعي ينطوي أيضًا على العديد من العوامل السلبية المحتملة التي تؤثر على عملية استقبال المستفيدين من السياسات. لذلك، تتطلب أهمية السياسات وعواملها السياسية تحديد قنوات التواصل المناسبة لإيصالها.
حدد توجيه رئيس الوزراء رقم 7/CT-TTg "بشأن تعزيز التواصل السياسي" الصادر في مارس 2023، الصحافة باعتبارها التيار الرئيسي. كما يُلزم هذا التوجيه الوزارات والهيئات والفروع والمحليات "بتوجيه الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى بشكل استباقي وتوفير معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب بشأن القضايا التي تهم الجمهور". وينص التوجيه أيضًا بوضوح على "البحث في ترتيب وتوزيع المهام على وسائل الإعلام ووكالات الصحافة لتنفيذ مهام التواصل السياسي وفقًا لمتطلبات وأحكام القانون".
بدون التأثير المطلق لوسائل الإعلام على المتلقي، لا يمكن فرض المعلومات السياسية عبر الصحافة عليه. لذلك، لا يمكن للصحافة أن "تؤدي دورها" وتحافظ على دورها كـ"تيار رئيسي" إلا من خلال التأمل الموضوعي، متعدد الأبعاد، وتلقي ومعالجة ردود الفعل على السياسات للتأثير على عملية صنعها.
الصحافة والاتصال السياسي : يُقصد بالسياسة في الاتصال السياسي السياسات العامة، بما في ذلك إجراءات الحزب والحكومة لمأسسة وضمان تنفيذها لحل المشكلات الاجتماعية أو تنمية المجتمع. الاتصال السياسي هو عملية نقل المعلومات حول سياسات الحزب والدولة في مجالات محددة عبر قنوات متنوعة، حيث تلعب الصحافة السائدة دورًا رئيسيًا في إيصال السياسات إلى الجمهور، وذلك لضمان سلاسة التواصل بين مُصدر السياسة والفئات المستفيدة منها، التي تنظمها تلك السياسة في المجتمع، مما يُسهم في تغيير المفاهيم، والتوجه نحو تعديل سلوكيات ومواقف المستفيدين من السياسة بما يتوافق مع مصالح كل فرد، والمجتمع، والمجتمع ككل، دون إغفال المصالح المشتركة للأمة والشعب والجميع. ومع ذلك، في السياق الحالي، لا يقتصر الاتصال السياسي على الصحافة السائدة فحسب، بل إن دور شبكات التواصل الاجتماعي في الاتصال السياسي له تأثير واضح. لا شك أن شبكات التواصل الاجتماعي قد قدمت مساهمات إيجابية في الاتصال السياسي، لا سيما من خلال مشاركتها في عملية النقد منذ مرحلة صياغة السياسات، مما ساهم في جعل السياسات أكثر واقعية في حياة الناس. ومع ذلك، في الوقت نفسه، تُؤدي شبكات التواصل الاجتماعي أيضًا إلى ظهور عملية توصيل السياسات بمعلومات كاذبة، أو معلومات غير مُتحقق منها، أو استنتاجات لا تتوافق مع آراء واضعي السياسات. لذلك، لا يزال التزام الصحافة ودقتها ضمانًا للدور المحوري للصحافة في توصيل السياسات. ويتجلى ذلك بوضوح في توجيه رئيس الوزراء "بشأن تعزيز توصيل السياسات" الصادر في مارس 2023، والذي حدد "الصحافة باعتبارها التيار السائد". فكيف يُمكن للصحافة إذًا "مواكبة" التيار السائد في توصيل السياسات؟ هذه هي المخاوف التي أثرناها في عدد هذا العام الذي يُحيي الذكرى التاسعة والتسعين ليوم الصحافة الثورية الفيتنامية، متمنين أن تُمنح الصحافة المزيد من الموارد للقيام بعمل جيد في توصيل السياسات، والمساهمة في وضع سياسات تتماشى مع رغبات الشعب، والمساعدة في بناء توافق اجتماعي.
مصدر
تعليق (0)